مقام المسبب وبالعكس، فالأول نحو (ونبلوا أخباركم) أي ونعلم أخباركم، لان الابتلاء الاختبار، وبالاختبار يحصل العلم، وقوله تعالى (هل يستطيع ربك) الآية في قراءة غير الكسائي يستطيع بالغبة؟ وربك بالرفع، معناه هل يفعل ربك، فعبر عن الفعل بالاستطاعة لأنها شرطه، أي هل ينزل علينا ربك مائدة إن دعوته. ومثله (فظن أن لن نقدر عليه) أي لن نؤاخذه، فعبر عن المؤاخذة بشرطها، وهو القدرة عليها. وأما قراءة الكسائي (1) فتقديرها هل تستطيع سؤال ربك، فحذف المضاف، أو هل تطلب طاعة ربك في إنزال المائدة أي استجابته، ومن الثاني (فاتقوا النار) أي [فاتقوا] العناد الموجب للنار.
القاعدة السادسة أنهم يعبرون عن الماضي والآتي كما يعبرون عن الشئ الحاضر قصدا لاحضاره في الذهن حتى كأنه مشاهد حالة الاخبار، نحو (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة) لان لام الابتداء للحال، ونحو (هذا من شيعته وهذا من عدوه) إذ ليس المراد تقريب الرجلين من النبي صلى الله عليه وسلم، كما نقول:
هذا كتابك فخذه، وإنما الإشارة كانت إليهما في ذلك الوقت هكذا فحكيت، ومثله (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا) قصد بقوله سبحانه وتعالى (فتثير) إحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة من إثارة السحاب، تبدو أولا قطعا ثم تتضام متقلبة بين أطوار حتى تصير ركاما. ومنه (ثم قال له كن فيكون) أي فكان (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق) (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) إلى قوله تعالى: (ونرى فرعون وهامان) ومنه عند الجمهور (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) أي يبسط ذراعيه، بدليل (ونقلبهم)