لم يناسب فعل النهى الذي جعل دليلا عليه، وإن قدر منفيا - أي فلا تدن فسد المعنى، بخلاف " لا تدن من الأسد تسلم " فإن الشرط المقدر منفى، وذلك صحيح في المعنى والصناعة، ولك أن تجيب عن الجمهور بأن الخبر إذا كان مجهولا وجب أن يجعل نفس المخبر عنه عند الجميع في باب لولا، وعند تميم في باب لا، فيقال " لولا قيام زيد " و " لا قيام " أي موجود، ولا يقال " لولا زيد " ولا " لا رجل " ويراد قائم، لئلا يلزم المحذور المذكور، وأما " لولا قومك حديثو عهد " فلعله مما يروى بالمعنى، وعن الكسائي في إجازته الجزم بأنه يقدر الشرط مثبتا مدلولا عليه بالمعنى لا باللفظ، ترجيحا للقرينة المعنوية على القرينة اللفظية، وهذا وجه حسن إذا كان المعنى مفهوما.
تنبيهان أحدهما: أن دليل الحذف نوعان، أحدهما: غير صناعي، وينقسم إلى حالي ومقالي كما تقدم، والثاني: صناعي، وهذا يختص بمعرفته النحويون، لأنه إنما عرف من جهة الصناعة، وذلك كقولهم في قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة) إن التقدير: لأنا أقسم، وذلك لان فعل الحال لا يقسم عليه في قول البصريين، وفى " قمت وأصك عينه " إن التقدير: وأنا أصك، لان واو الحال لا تدخل على المضارع المثبت الخالي من قد، وفى " إنها لإبل أم شاء " إن التقدير: أم هي شاء، لان أم المنقطعة لا تعطف إلا الجمل، وفى قوله:
840 - إن من لام في بنى بنت حسان * ألمه وأعصه في الخطوب إن التقدير: إنه أي الشأن، لان [اسم] الشرط لا يعمل فيه ما قبله، ومثله قول المتنبي:
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه * ولكن من يبصر جفونك يعشق [483] وفى (ولكن رسول الله) إن التقدير: ولكن كان رسول الله، لان ما بعد