يشترطون في باب شيئا ويشترطون في آخر نقيض ذلك الشئ على ما اقتضته حكمة لغتهم وصحيح أقيستهم، فإذا لم يتأمل المعرب اختلطت عليه الأبواب والشرائط.
فلنورد أنواعا من ذلك مشيرين إلى بعض ما وقع فيه الوهم للمعربين:
النوع الأول: اشتراطهم الجمود لعطف البيان، والاشتقاق للنعت.
ومن الوهم في الأول قول الزمخشري في (ملك الناس، إله الناس) إنهما عطفا بيان، والصواب أنهما نعتان، وقد يجاب بأنهما أجريا مجرى الجوامد، إذ يستعملان غير جاريين على موصوف وتجري عليهما الصفات، نحو قولنا " إله واحد، وملك عظيم ".
ومن الخطأ في الثاني قول كثير من النحويين في نحو " مررت بهذا الرجل " إن الرجل نعت، قال ابن مالك: أكثر المتأخرين يقلد بعضهم بعضا في ذلك، والحامل لهم عليه توهمهم أن عطف البيان لا يكون إلا أخص من متبوعه، وليس كذلك، فإنه في الجوامد بمنزلة النعت في المشتق، ولا يمتنع كون المنعوت أخص من النعت، وقد هدى ابن السيد إلى الحق في المسألة فجعل ذلك عطفا لا نعتا، وكذا ابن جنى، اه. قلت: وكذا الزجاج والسهيلي، قال السهيلي: وأما تسمية سيبويه له نعتا فتسامح، كما سمى التوكيد وعطف البيان صفة، وزعم ابن عصفور أن النحويين أجازوا في ذلك الصفة والبيان، ثم استشكله بأن البيان أعرف من المبين وهو جامد، والنعت دون المنعوت أو مساو له وهو مشتق أو في تأويله، فكيف يجتمع في الشئ أن يكون بيانا ونعتا؟ وأجاب بأنه إذا قدر نعتا فاللام فيه للعهد والاسم مؤول بقولك الحاضر أو المشار إليه، وإذا قدر بيانا فاللام لتعريف الحضور، فيساوى الإشارة بذلك ويزيد بإفادته الجنس المعين فكان أخص، قال: وهذا معنى قول سيبويه، اه. وفيما قاله نظر، لان الذي يؤوله النحويون بالحاضر والمشار إليه إنما هو اسم الإشارة نفسه إذا وقع نعتا " كمررت بزيد هذا " فأما نعت اسم الإشارة فليس ذلك معناه، وإنما هو معنى ما قبله، فكيف يجعل معنى ما قبله تفسيرا له؟