فلما صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب " ليس في الأرض بقعة إلا وهي قبر، أو سيكون قبرا "؟ فانظر إلى هذه البرية، أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبورا كما تزعمون؟
قال: فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتى تمتلئ قبورا؟ وتضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا.
قال: وسرنا حتى دخلنا المدينة، فقصدت بيت أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) فدخلت عليه، فقرأ كتاب المتوكل فقال: " انزلوا، وليس من جهتي خلاف ".
قال: فلما حضرت إليه من الغد، وكنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط، وهو يقطع من ثياب غلاظ - خفاتين - له ولغلمانه، ثم قال للخياط: " اجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد على الفراغ منها يومك هذا، وبكر بها إلي في هذا الوقت ".
ثم نظر إلي وقال: " يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، واعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت ".
قال: فخرجنا من عنده وأنا أتعجب من الخفاتين، وأقول في نفسي: نحن في تموز، وحر الحجاز، وإنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟! ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، وهو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، والعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا، فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه:
" ادخلوا، وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس "، ثم قال: " ارحل يا يحيى " فقلت في