ببعيد لأنه إنما أرسل إليه لكي يحتجزه ويفرض عليه الإقامة، ليراقب جميع تحركاته وتصرفاته، رغم تظاهره بتعظيمه وإكرامه في كتابه إليه.
قال الشيخ المفيد وغيره: فلما وصل الكتاب إلى أبي الحسن (عليه السلام) تجهز للرحيل، وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى سر من رأى، فلما وصل إليها تقدم المتوكل بأن يحجب عنه في يومه، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك وأقام فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له، فانتقل إليها (1).
وروي بالإسناد عن صالح بن سعيد، قال: دخلت على أبي الحسن الهادي (عليه السلام) يوم وروده، فقلت له: جعلت فداك، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك، فقال: ها هنا أنت يا بن سعيد! ثم أومأ بيده، فإذا بروضات أنفات (2)، وأنهار جاريات، وجنان فيها خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري وكثر تعجبي، فقال لي: حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك (3).
وأقام أبو الحسن (عليه السلام) مدة مقامه بسر من رأى مكرما معظما مبجلا في ظاهر الحال والمتوكل يبتغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله تعالى عليه (4).