فلم يجدوا فيها شيئا، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصى، وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيا من القرآن. وعلى هذه الحال حمل إلى المتوكل العباسي، وأدخل عليه، وكان المتوكل في مجلس شراب، وبيده كأس الخمر، فناول الإمام الهادي (عليه السلام)، فرد الإمام (عليه السلام): والله ما خامر لحمي ولا دمي قط فاعفني، فأعفاه. فقال له: أنشدني شعرا، فقال الإمام (عليه السلام):
أنا قليل الرواية للشعر. فقال: لا بد. فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * وأسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد دفنهم * أين الأساور والتيجان والحلل أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل قد طالما أكلوا دهرا وقد شربوا * فأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا وطالما عمروا دورا لتسكنهم * ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا وطالما كنزوا الأموال وادخروا * ففرقوها على الأعداء وارتحلوا أضحت منازلهم قفرا معطلة * وساكنوها إلى الإجداث قد نزلوا فبكى المتوكل حتى بلت لحيته دموعه، وبكى الحاضرون (1).
فعندما لم ير المتوكل مجالا لتنفيذ رغبات السعاة والوشاة ورغبات نفسه المريضة، أراد أن يهين الإمام (عليه السلام) بحضور ندمائه السكارى، فناوله كأسا كان