فاتكأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عرف الدابة، فقال: يا رسول الله، ما أسرعتم ما حللتم، عذيرك من محارب! عفا الله عنك، وفي لفظ غفر الله لك، أو قد وضعتم السلام قبل أن نضعه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم قال: فوالله ما وضعناه، وفي لفظ: (ما وضعت الملائكة السلاح منذ نزل بك العدو. وما رجعنا الآن إلا من طلب القوم حتى بلغنا حمراء الأسد - يعني الأحزاب - وقد هزمهم الله تعالى، وإن الله - تعالى - يأمرك بقتال بني قريظة، وأنا عامد إليهم بمن معي من الملائكة لأزلزل بهم الحصون، فاخرج الناس). قال حميد بن هلال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فإن من أصحابي جهدا فلو أنظرتهم أياما قال جبريل: انهض إليهم، فوالله لأدقنهم كدق البيض على الصفا لأضعضعنها، فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار. قال أنس - رضي الله عنه - فيما رواه البخاري: كأني انظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم - مؤكب جبريل حين سار إلى بني قريظة (1).. انتهى.
قالت عائشة: فرجعت، فلما دخل قلت يا رسول الله - من ذاك الرجل الذي كنت تكلمه؟ قال: (ورأيته)؟ قلت نعم، قال; (لمن تشبهت)؟ قلت: بدحية بن خليفة الكلبي، قال:
(ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة).
قال قتادة فيما رواه ابن عائذ: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث يومئذ مناديا ينادي (يا خيل الله اركبي) وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فاذن في الناس: (من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة).
وروى الشيخان عن ابن عمر، والبيهقي عن عائشة، والبيهقي عن الزهري وعن ابن عقبة، والطبراني عن كعب بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه (عزمت عليكم ألا تصلوا صلاة العصر، وفي لفظ الظهر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصليها حتى نأتي بني قريظة، إنا لفي عزيمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما علينا من إثم، فصلوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس. وقال بعضهم: بل نصلي; لم يرد منا ان ندع الصلاة فصلوا، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدا من الفريقين، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي ابن أبي طالب فدفع إليه لواءه، وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق، فابتدره الناس (2).
.