إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتد رعبهم، فقال أهل الرأي منهم: ليس خير من أن نصالح محمدا على أن ينصرف عنا عامه هذا، ولا يخلص إلى البيت حتى يسمع من سمع بمسيره من العرب انا قد صددناه، ويرجع قابلا فيقيم ثلاثا وينحر هديه وينصرف، ويقيم ببلدنا ولا يدخل علينا، فاجمعوا على ذلك. فلما أجمعت قريش على الصلح والموادعة بعثوا سهيل بن عمرو وحويطب ومكرز وقالوا لسهيل: ائت محمدا فصالحه وليكن في صلحك الا يدخل عامه هذا، فوالله لا تحدث العرب انه دخل علينا عنوة فاتى سهيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا " وفي لفظ: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سهل امركم " وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متربعا، وكان عباد بن بشر وسلمة بن أسلم بن حريش على رأسه - وهما مقنعان في الحديد - فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطال الكلام وتراجعا، وارتفعت الأصوات وانخفضت، وقال عباد بن بشر لسهيل: اخفض من صوتك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلوس، فجرى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل القول حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين، وان يامن الناس بعضهم بعضا، وان يرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامه هذا، فإذا كان العام المقبل قدمها فخلوا بينه وبين مكة، فأقام فيها ثلاثا فلا يدخلها الا بسلاح الراكب والسيوف في القرب لا يدخلها بغيره، وانه من اتى محمدا من قريش بغير اذن وليه - وإن كان على دين محمد - رده إلى وليه، وانه من اتى قريشا ممن اتبع محمدا لم يردوه عليه، - وان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيبة مكفوفة، وانه لا اسلال (1) ولا أغلال، وانه من حب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم.
فكره المسلمون هذه الشروط وامتعضوا منها، وأبى سهيل إلا ذلك فلما اصطلحوا ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله الست نبي الله حقا؟ قال: بلى. قال: السنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: علام نعطي الدنية في ديننا؟ ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني عبد الله ورسوله ولست أعصيه ولن يضيعني وهو ناصري " قال: أوليس أنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف حقا؟ قال: " بلى، أفأخبرتك انك تأتيه العام؟ قال: لا: قال: " فإنك آتيه ومطوف به "، فذهب عمر إلى أبي بكر متغيظا ولم يصبر،