عليهم، ثم نزل ووضع يده تحت الوشل، ثم مسحه بإصبعيه حتى اجتمع منه في كفه ماء قليل، ثم نضحه به، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو، فانخرق منه الماء - قال معاذ بن جبل: والذي نفسي بيده لقد سمعت له من شدة انخراقه مثل الصواعق - فشرب الناس ما شاءوا، واستقوا ما شاءوا، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس " لئين بقيتم. أو من بقي منكم " - لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب مما بين يديه ومما خلفه " (1) قال سلمة بن سلامة بن وقش:
قلت لوديعة بن ثابت: ويلك أبعد ما ترى شئ؟ أما تعتبر؟ قال: قد كان يفعل بهذا مثل هذا قبل هذا، ثم سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن جماعة من أهل المغازي قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير منحدرا إلى المدينة، وهو في قيظ شديد، عطش العسكر بعد المرتين الأوليين عطشا شديدا حتى لا يوجد للشفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل أسيد بن الحضير في يوم صائف، وهو متلثم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " عسى أن تجد لنا ماء " فخرج أسيد وهو فيما بين تبوك والحجر في كل وجه فيحد راوية من ماء مع امرأة من بلي، فكلمها أسيد، وأخبرها خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: فهذا الماء، فانطلق به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وصفت له الماء وبينه وبين الطريق هنيهة، فلما جاء أسيد بالماء دعا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا فيه بالبركة، ثم قال: " هلم أسقيتكم " فلم يبق معهم سقاء إلا ملئوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم، فسقوها حتى نهلت، ويقال إنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بما جاء به أسيد فصبه في قعب عظيم من عساس أهل البادية فادخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه يده، وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلى ركعتين، ثم رفع يديه مدا، ثم انصرف وإن القعب ليفور، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس " ردوا " فاتسع الماء وانبسط الناس حتى يصنف عليه المائة والمائتان فارتووا، وإن القعب ليجيش بالرواء، ثم راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبردا مترويا (2).
وروى الطبراني بسند صححه الشيخ وحسنة الحافظ - خلافا لمن ضعفه - عن فضالة ابن عبيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة تبوك فجهد الظهر جهدا شديدا فشكوا ذلك إليه، ورآهم يزجون ظهرهم، فوقف في مضيق والناس يمرون فيه، فنفخ فيها وقال: " اللهم احمل عليها في سبيلك فإنك تحمل على القوي والضعيف والرطب واليابس في البر والبحر " فاستمرت فما دخلنا المدينة إلا وهي تنازعنا أزمتها (3).