وتجتمع على محبته، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من كبار المجاهدين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها، لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم بخلاف قسمة على المؤلفة لان فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الاسلام ولتقوية قلب من دخل إليه قبل، تبعهم من دونهم في الدخول، فكان ذلك مصلحة عظيمة.
الخامس: ما وقع في قصة الأنصار، اعتذر رؤساؤهم بان ذلك من بعض أتباعهم وأحداثهم، ولما شرح لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنعوا رجعوا مذعنين، وعلموا أن الغنيمة: ما حصل لهم من عود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بلادهم.
فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا بما حازوه من الفوز العظيم ومجاوره النبي الكريم حيا وميتا، وهذا داب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه.
السادس: رتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من الله - تعالى - به على الأنصار على يديه من النعم ترتيبا بالغا، فبدا بنعمة الايمان التي لا يوازنها شئ من أمور الدنيا، وثنى بنعمة الايمان وهي أعظم من نعمة المال، لان الأموال قد تبذل في تحصيلها وقد لا تحصل، فقد كانت الأنصار في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها، فزال ذلك بالاسلام كما قال تعالى: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) [الأنفال 103].
السابع: قوله - صلى الله عليه وسلم - " لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ". قال الخطابي: أراد بهذا الكلام: تأليف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم، حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما منعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبة الانسان تقع على وجوه: الولادة والاعتقادية والبلادية والصناعية، ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعا، وأما الاعتقادي فلا معنى للانتقال عنه فلم يبق إلا القسمان الأخيران، كانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرا واجبا، أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم.
وقال القرطبي: معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم لما كانوا يتناسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وترتيبها سبقت فمنعت ما سوى ذلك، وهي أعلى وأشرف فلا تبدل بغيرها.
الثامن: قوله - صلى الله عليه وسلم - " لسلكت وادي الأنصار " أو " شعب الأنصار " أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا أو ما بعده التنبيه على جزيل ما حصل للأنصار من ثواب النصرة والقناعة بالله