العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - أن الذين ثبتوا معه كانوا عشرة فقط، وذلك لقوله:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فاقشعوا وعاشرنا لاقي الحمام بنفسه * لما مسه في الله لا يتوجع قال الحافظ: ولعل هذا هو الا ثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم.
السابع: البغلة البيضاء: وفي مسلم عن سلمة بن الأكوع الشهباء التي كان عليها يومئذ أهداها له فروة - بفتح الفاء، وسكون الراء، وفتح الواو، وبالهاء ابن نفاثة بنون مضمومة ففاء مخففة فألف فثاء مثلثة، ووقع في بعض الروايات عند مسلم فروة بن نعامة بالعين والميم، والصحيح المعروف الأول، ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن ألف في المغازي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان على بغلته دلدل، وفيه نظر، لان دلدل أهداها له المقوقس. قال القطب: ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب يومئذ كلا من البغلتين، وإلا فما في الصحيح أصح.
الثامن: قال العلماء: ركوبه - صلى الله عليه وسلم - البغلة يومئذ دلالة على النهاية في الشجاعة والثبات، لان ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار والاخذ بأسباب ذلك كان أدعى لاتباعه.
التاسع: وقع في الصحيح حديث البراء وأبو سفيان ابن عمه يقود به، وفي حديث العباس أنه كان آخذا بلجام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو سفيان آخذ بركابه، ويجمع بان أبا سفيان كان آخذا أولا بزمام البغلة، فلما ركضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جهة الكفار خشي العباس وأخذ بلجام البغلة يكفها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه كان عمه.
العاشر: وقع في حديث ابن عبد الرحمن الفهري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتحم عن فرسه " فاخذ كفا من تراب " انتهى قلت: وهي رواية شاذة، والصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان حينئذ على بغلة.
الحادي عشر: في قوله - صلى الله عليه وسلم - " أنا النبي لا كذب " إشارة إلى صفة النبوة يستحيل معها الكذب، وكانه - صلى الله عليه وسلم - قال: لأنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن أن الذي وعدني به الله من النصر حق فلا يجوز علي الفرار، وقيل معنى قول " لا كذب " أي أنا النبي حقا لا كذب في ذلك.
الثاني عشر: قوله - صلى الله عليه وسلم - أنا النبي لا كذب " بسكون الموحدة من كذب وهذا وإن وقع موزونا لا يسمى شعرا لأنه غير مقصود كما سيأتي بسط ذلك في الخصائص.