قالوا: لا. فابت نفسه أن تقره حتى قال: يا بديل: هل جئت محمدا؟ قال: لا ما فعلت، ولكن سرت في بلاد بني كعب وخزاعة من هذا الساحل في قتيل كان بينهم فأصلحت بينهم. فقال أبو سفيان: انك - والله - ما علمت بر وأصل، ثم قايلهم أبو سفيان حتى راح بديل وأصحابه، فجاء أبو سفيان منزلهم ففت أبعار أباعرهم فوجد فيها نوى من تمر عجوة كأنها ألسنة الطير، فقال أبو سفيان: أحلف بالله لقد جاء القوم محمدا (1).
وكان القوم لما كانت الوقعة خرجوا من صبح ذلك اليوم فساروا ثلاثا، وخرجوا من ذلك اليوم فساروا إلى حيث لقيهم أبو سفيان ثلاثا، وكانت بنو بكر قد حبست خزاعة في داري بديل ورافع ثلاثة أيام يكلمون فيهم، وائتمرت قريش في أن يخرج أبو سفيان، فأقام يومين. فهذه خمس بعد مقتل خزاعة، وأقبل أبو سفيان حتى دخل المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأراد أن يجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطوته دونه. فقال: يا بنية!! أرغبت بهذا الفراش عني أو بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت امرؤ مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر، فقالت: بل هداني الله للاسلام. وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الاسلام. وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر؟ فقام من عندها، فاتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد، فقال: يا محمد!! اني كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد العهد، وزدنا في المدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فلذلك جئت يا أبا سفيان؟ " قال: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هل كان من قبلكم من حدث؟ " قال معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل " فأعاد أبو سفيان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القول، فلم يرد عليه شيئا.
فذهب إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فكلمه وقال: تكلم محمدا أو تجير أنت بين الناس، فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد ابن عقبة: والله لو وجدت الذر تقاتلكم لاعنتها عليكم.
فأتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر، فقال: أنا أشفع لكم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم!! فوالله لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم به، ما كان من حلفنا جديدا فاخلقه الله، وما كان منه متينا فقطعه الله، وما كان منه مقطوعا فلا وصله الله. فقال أبو سفيان جوزيت من ذي رحم شرا.