يريد الشام إلى عبد الملك وقد فتح له بها فتحا، وقتل الكاهنة (1)، فأجازه عبد الملك (2) وزاده برقة، ورده إليها، أي إلى إفريقية واليا، فأقبل حتى نزل مصر، وبعث معه بعثا من هناك، فأخذوا أعطياتهم منه، ثم ساروا حتى نزلوا ذات الجماجم. قال: فبلغ ذلك عبد العزيز وأن حسان بن النعمان يطلب برقة من عند عبد الملك، وأنه قد ولاه أياما، فبعث إليه فقال له: أولاك أمير المؤمنين برقة؟ قال: نعم. فقال له عبد العزيز: لا تعرض، وكان عليها مولى لعبد العزيز.
فقال حسان: ما أنا فاعل. فغضب عبد العزيز وقال له: ائت بعهدك عليها إن كنت صادقا. قال: فأتى به حسان، فلما أقرأه عبد العزيز وجدها فيه، فالتفت إلى حسان فقال: ما أنت بتاركها؟ قال: والله لا أنعزل عما ولانيه أمير المؤمنين.
قال: فاقعد في بيتك، فسيولى هذا الأمر من هو خير منك وأولى به منك، في تجربته وسياسته، ويغني الله أمير المؤمنين عنك. ثم أخذ عبد العزيز عهده ومزقه، ودعا بموسى بن نصير فعقد له على أفريقية يوم الخميس في صفر سنة تسع وسبعين (3)، فتجهز موسى بن نصير، وحمل الأموال إلى ذات الجماجم، وبها الجيوش ينتظرون واليهم فقدم عليهم موسى بن نصير، فلما صار على الجيش الأول أتى عصفور حتى وقع على صدره، فأخذه موسى، فدعا بسكين، فذبحه موسى، ولطخ بدمه صدره من فوق الثياب، ونتف ريشه وطرحه على صدره وعلى نفسه، ثم قال: الفتح ورب الكعبة، والظفر إن شاء الله.