كان بمكان يقال له سجن الملوك، خلف به الأثقال، وتجرد في الخيول، وخلف على الأثقال عمرو بن أوس في ألف، وسار بمن معه حتى انتهى إلى نهر يقال له ملوية، فوجده خاملا، فكره طول المقام عليه، خوفا من نفاد الزاد، وأن يبلغ العدو مخرجه ومكانه، فأحدث مخاضة غير مخاضة عقبة بن نافع، وكره أن يجوز عليها. فلما أجاز وانتهى إليهم، وجدهم قد أنذروا به وتأهبوا، وأعدوا للحرب، فاقتتلوا قتالا شديدا في جبل منيع، لا يوصل إليهم إلا من أبواب معلومة، فاقتتلوا يوم الخميس ويوم الجمعة ويوم السبت إلى العصر، فخرج إليهم رجل من ملوكهم، فوقف والناس مصطفون، فنادى بالمبارزة، فلم يجبه أحد، فالتفت موسى إلى مروان ابنه، فقال له: اخرج إليه أي بني، فخرج إليه مروان، ودفع اللواء إلى أخيه عبد العزيز بن موسى. فلما رآه البربري ضحك، ثم قال له:
ارجع، فإني أكره أن أعدم منك أباك. وكان حديث السن. قال: فحمل عليه مروان فرده، حتى ألجأه إلى جبله، ثم إنه زرق مروان بالمزراق، فتلقاه مروان بيده وأخذه، ثم حمل مروان عليه وزرقه به زرقة وقعت في جنبه، ثم لحقت حتى وصلت إلى جوف برذونه، فمال فوقع به البرذون ثم التقى الناس عليه فاقتتلوا قتالا شديدا أنساهم ما كان قبله، ثم إن الله هزمهم، وفتح للمسلمين عليهم، وقتل ملكهم كسيلة بن لمزم (1) وبلغ سبيهم مئتي ألف رأس، فيهم بنات كسيلة، وبنات ملوكهم، وما لا يحصى من النساء السلسات، اللاتي ليس لهن ثمن ولا قيمة. قال: فلما وقفت بنات الملوك بين يدي موسى، قال: علي بمروان ابني. قال: فأتي به قال له: أي بني اختر. قال: فاختار ابنة كسيلة فاستسرها (2)، فهي أم عبد الملك بن مروان هذا. قال: قاتل يومئذ زرعة بن أبي مدرك قتالا شديدا أبلى فيه حتى اندقت ساقه قال: فآلى موسى أن لا يحمل إلا على رقاب الرجال، حتى يدخل القيروان، وأن يحمله خمسون رجلا، كل يوم يتعاقبون بينهم، ثم انصرف موسى وقد دانت له البلاد كلها، وجعل يكتب إلى عبد العزيز بفتح بعد فتح، وملأت سباياه الأجناد، وتمايل الناس إليه، ورغبوا فيما هنالك