لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء، وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء، فلما رئي قوم من أراذل الناس تعلموا العلم، وأتوا به الأمراء، استغنت الأمراء عن العلماء، واجتمع القوم على المعصية، فسقطوا وهلكوا، ولو كان علماؤنا هؤلاء يصونون علمهم، لكانت الأمراء تهابهم، وتعظمهم. فقال الزهري: كأنك إياي تريد، وبي تعرض؟
قال: هو ما تسمع. قال سليمان: يا أبا حازم عظني وأوجز. قال: حلال الدنيا حساب، وحرامها عذاب، وإلى الله المآب فاتق عذابك أودع. قال: لقد أوجزت، فأخبرني ما مالك؟ قال: الثقة بعدله، والتوكل على كرمه، وحسن الظن به، والصبر إلى أجله، واليأس مما في أيدي الناس. قال يا أبا حازم: ارفع إلينا حوائجك؟ قال: رفعتها إلى ممن لا تخذل دونه، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك عني رضيت، مع أني قد نظرت فوجدت أمر الدنيا يؤول إلى شيئين: أحدهما لي، والآخر لغيري. فأما ما كان لي، فلو احتلت عليه بكل حيلة ما وصلت إليه قبل أوانه وحينه الذي قد قدر لي. وأما الذي لغيري: فذلك لا أطمع فيه، فكما منعني رزق غيري، كذلك منع غيري رزقي، فعلام أقتل نفسي في الإقبال والادبار؟ قال سليمان: لا بد أن ترفع إلينا حاجة نأمر بقضائها.
قال: فتقضيها؟ قال: نعم، قال: فلا تعطني شيئا حتى أسألكه، ولا ترسل إلي حتى آتيك، وإن مرضت فلا تعدني، وإن مت لا تشهدني. قال سليمان: أبيت يا أبا حازم أبيت (1)، قال: أتأذن لي أصلحك الله في القيام، فإني شيخ قد زمنت (2). قال سليمان: يا أبا حازم:
مسألة ما تقول فيها؟ قال: إن كان عندي علم أخبرتك به، وإلا فهذا الذي عن يسارك، يزعم أنه ليس شئ يسأل عنه إلا وعنده له علم، يريد محمدا الزهري، فقال له الزهري: عائذ بالله من شرك أيها المرء. قال: أما من شري فستعفى، وأما من لساني فلا. قال سليمان:
ما تقول في سلام الأئمة من صلاتهم: أواحدة أم اثنتان، فإن العلماء لدينا قد اختلفوا علينا في ذلك أشد الاختلاف؟ قال: على الخبير سقطت، أرميك في هذا بخبر شاف.
حدثني عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه سعد، أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم في الصلاة عن يمينه، حتى يرى بياض خده الأيمن، ثم يسلم عن يساره، حتى يرى بياض خده الأيسر، سلاما يجهر به. قال عامر: وكان أبي يفعل ذلك.