الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ٩١
لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء، وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء، فلما رئي قوم من أراذل الناس تعلموا العلم، وأتوا به الأمراء، استغنت الأمراء عن العلماء، واجتمع القوم على المعصية، فسقطوا وهلكوا، ولو كان علماؤنا هؤلاء يصونون علمهم، لكانت الأمراء تهابهم، وتعظمهم. فقال الزهري: كأنك إياي تريد، وبي تعرض؟
قال: هو ما تسمع. قال سليمان: يا أبا حازم عظني وأوجز. قال: حلال الدنيا حساب، وحرامها عذاب، وإلى الله المآب فاتق عذابك أودع. قال: لقد أوجزت، فأخبرني ما مالك؟ قال: الثقة بعدله، والتوكل على كرمه، وحسن الظن به، والصبر إلى أجله، واليأس مما في أيدي الناس. قال يا أبا حازم: ارفع إلينا حوائجك؟ قال: رفعتها إلى ممن لا تخذل دونه، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك عني رضيت، مع أني قد نظرت فوجدت أمر الدنيا يؤول إلى شيئين: أحدهما لي، والآخر لغيري. فأما ما كان لي، فلو احتلت عليه بكل حيلة ما وصلت إليه قبل أوانه وحينه الذي قد قدر لي. وأما الذي لغيري: فذلك لا أطمع فيه، فكما منعني رزق غيري، كذلك منع غيري رزقي، فعلام أقتل نفسي في الإقبال والادبار؟ قال سليمان: لا بد أن ترفع إلينا حاجة نأمر بقضائها.
قال: فتقضيها؟ قال: نعم، قال: فلا تعطني شيئا حتى أسألكه، ولا ترسل إلي حتى آتيك، وإن مرضت فلا تعدني، وإن مت لا تشهدني. قال سليمان: أبيت يا أبا حازم أبيت (1)، قال: أتأذن لي أصلحك الله في القيام، فإني شيخ قد زمنت (2). قال سليمان: يا أبا حازم:
مسألة ما تقول فيها؟ قال: إن كان عندي علم أخبرتك به، وإلا فهذا الذي عن يسارك، يزعم أنه ليس شئ يسأل عنه إلا وعنده له علم، يريد محمدا الزهري، فقال له الزهري: عائذ بالله من شرك أيها المرء. قال: أما من شري فستعفى، وأما من لساني فلا. قال سليمان:
ما تقول في سلام الأئمة من صلاتهم: أواحدة أم اثنتان، فإن العلماء لدينا قد اختلفوا علينا في ذلك أشد الاختلاف؟ قال: على الخبير سقطت، أرميك في هذا بخبر شاف.
حدثني عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه سعد، أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم في الصلاة عن يمينه، حتى يرى بياض خده الأيمن، ثم يسلم عن يساره، حتى يرى بياض خده الأيسر، سلاما يجهر به. قال عامر: وكان أبي يفعل ذلك.

(1) أبيت: يريد امتنعت عن طلب شئ مني أقضيه لك.
(2) زمنت: شخت وعجزت.
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175