ووجد عليه الجاريتين تذودان (1). فقال: ما لكما معين؟ قالتا: لا، فسقى لهما، ثم تولى إلى الظل. فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير، ولم يسأل الله أجرا. فلما أعجل الجاريتان الانصراف (2)، أنكر ذلك أبوهما. فقال لهما: ما أعجلكما اليوم؟ قالنا: وجدنا رجلا صالحا قويا سقى لنا. قال: ما سمعتماه يقول؟ قالتا: تولى إلى الظل وهو يقول رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. فقال ينبغي لهذا أن يكون جائعا. تنطلق إحداكما له، فتقول له إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فأتته إحداهما تمشي على استحياء: أي على إجلال له: قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. فجزع موسى من ذلك، وكان طريدا في الفيافي والصحارى. فقال لها: قولي لأبيك إن الذي سقى يقول: لا أقبل أجرا على معروف اصطنعته، فانصرفت إلى أبيها فأخبرته. فقال: اذهبي فقولي له: أنت بالخيار بين قبول ما يعرض عليك أبي وبين تركه، فأقبل، فإنه يحب أن يراك، ويسمع منك، فأقبل والجارية بين يديه، فهبت الريح فوصفتها له، وكانت ذات خلق كامل. فقال لها: كوني ورائي، وأريني سمت الطريق. فلما بلغ الباب قال: استأذني لنا، فدخلت على أبيها، فقالت: إنه مع قوته لأمين. فقال شعيب: وبم علمت ذلك؟ فأخبرته ما كان من قوله عند هبوب الريح عليها. فقال: أدخليه فدخل، فإذا شعيب قد وضع الطعام، فلما سلم رحب به وقال أصب من طعامنا يا فتى. فقال موسى: أعوذ بالله. قال شعيب: لم؟
قال: لأني من بيت قوم لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبا. قال شعيب: لا والله ما طعامي لما تظن، ولكنه عادتي وعادة آبائي: نقري الضيف، ونطعم الطعام، فجلس موسى فأكل. وهذه الدنانير يا أمير المؤمنين إن كانت ثمنا لما سمعت من كلامي، فإن أكل الميتة والدم في حال الضرورة، أحب إلي من أن آخذها. فأعجب سليمان بأمره إعجابا شديدا.
فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين، إن الناس كلهم مثله. قال: لا. قال الزهري:
إنه لجاري منذ ثلاثين سنة، ما كلمته قط. فقال أبو حازم: صدقت، لأنك نسيت الله ونسيتني، ولو ذكرت الله لذكرتني. قال الزهري: أتشتمني؟ قال له سليمان: بل أنت شتمت نفسك، أو ما علمت أن للجار على الجار حقا. قال أبو حازم: إن بني إسرائيل