ما قال أبو حازم لسليمان قالوا: وإن يحيى بن المغيرة أخبرهم عن عبد الجبار بن عبد العزيز بن أبي حازم، قال: لما حج سليمان، ودخل المدينة زائرا لقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه ابن شهاب الزهري ورجاء بن حياة، فأقام بها ثلاثة أيام، فقال: أما ها هنا رجل ممن أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقيل له: بلى ها هنا رجل يقال له أبو حازم، فبعث إليه، فجاءه، وهو أقور (1) أعرج، فدخل عليه، فوقف منتظرا للإذن. فلما طال عليه الإذن: وضع عصيته ثم جلس. فلما نظر إليه سليمان: ازدرته عينه. فقال له يا أبا حازم. ما هذا الجفاء الذي ظهر منك، وأنت توصف برؤية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع فضل ودين تذكر به؟ فقال أبو حازم: وأي جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين؟ فقال سليمان: إنه أتاني وجوه أهل المدينة وعلماؤها وخيارها، وأنت معدود فيهم ولم تأتني. فقال أبو حازم: أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما جرى بيني وبينك معرفة آتيك عليها. قال سليمان: صدق الشيخ، فقال يا أبا حازم: ما لنا نكره الموت؟ فقال أبو حازم: لأنكم أخربتم آخرتكم، وعمرتم دنياكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب. قال سليمان: صدقت يا أبا حازم.
فكيف القدوم على الآخرة؟ قال: نعم، أما المحسن فإنه يقدم على الآخرة كالغائب يقدم على أهله من سفر بعيد. وأما قدوم المسئ فكالعبد الآبق، يؤخذ فيشد كتافه، فيؤتى به إلى سيد فظ غليظ، فإن شاء عفا، وإن شاء عذب. فبكى سليمان بكاء شديدا، وبكى من حوله. ثم قال: ليت شعري ما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال: اعرض نفسك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لك عند الله. قال سليمان: يا أبا حازم، وأين أصيب تلك المعرفة في كتاب الله، قال عند قوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم). قال سليمان: يا أبا حازم، فأين رحمة الله؟ قال: رحمة الله قريب من المحسنين، قال سليمان: يا أبا حازم من أعقل الناس؟
قال أبو حازم: أعقل الناس من تعلم العلم والحكمة وعلمهما الناس. قال سليمان: فمن أحمق الناس؟
فقال: من حط في هوى رجل وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: فما أسمع الدعاء؟
قال أبو حازم: دعاء المخبتين (2) الخائفين. فقال سليمان: فما أزكى الصدقة عند الله؟ قال: جهد المقل (3) قال: فما تقول فيما ابتلينا به؟ قال: أعفنا عن هذا وعن الكلام فيه أصلحك الله،