الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ٨٨
ما قال أبو حازم لسليمان قالوا: وإن يحيى بن المغيرة أخبرهم عن عبد الجبار بن عبد العزيز بن أبي حازم، قال: لما حج سليمان، ودخل المدينة زائرا لقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه ابن شهاب الزهري ورجاء بن حياة، فأقام بها ثلاثة أيام، فقال: أما ها هنا رجل ممن أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقيل له: بلى ها هنا رجل يقال له أبو حازم، فبعث إليه، فجاءه، وهو أقور (1) أعرج، فدخل عليه، فوقف منتظرا للإذن. فلما طال عليه الإذن: وضع عصيته ثم جلس. فلما نظر إليه سليمان: ازدرته عينه. فقال له يا أبا حازم. ما هذا الجفاء الذي ظهر منك، وأنت توصف برؤية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع فضل ودين تذكر به؟ فقال أبو حازم: وأي جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين؟ فقال سليمان: إنه أتاني وجوه أهل المدينة وعلماؤها وخيارها، وأنت معدود فيهم ولم تأتني. فقال أبو حازم: أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما جرى بيني وبينك معرفة آتيك عليها. قال سليمان: صدق الشيخ، فقال يا أبا حازم: ما لنا نكره الموت؟ فقال أبو حازم: لأنكم أخربتم آخرتكم، وعمرتم دنياكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب. قال سليمان: صدقت يا أبا حازم.
فكيف القدوم على الآخرة؟ قال: نعم، أما المحسن فإنه يقدم على الآخرة كالغائب يقدم على أهله من سفر بعيد. وأما قدوم المسئ فكالعبد الآبق، يؤخذ فيشد كتافه، فيؤتى به إلى سيد فظ غليظ، فإن شاء عفا، وإن شاء عذب. فبكى سليمان بكاء شديدا، وبكى من حوله. ثم قال: ليت شعري ما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال: اعرض نفسك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لك عند الله. قال سليمان: يا أبا حازم، وأين أصيب تلك المعرفة في كتاب الله، قال عند قوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم). قال سليمان: يا أبا حازم، فأين رحمة الله؟ قال: رحمة الله قريب من المحسنين، قال سليمان: يا أبا حازم من أعقل الناس؟
قال أبو حازم: أعقل الناس من تعلم العلم والحكمة وعلمهما الناس. قال سليمان: فمن أحمق الناس؟
فقال: من حط في هوى رجل وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: فما أسمع الدعاء؟
قال أبو حازم: دعاء المخبتين (2) الخائفين. فقال سليمان: فما أزكى الصدقة عند الله؟ قال: جهد المقل (3) قال: فما تقول فيما ابتلينا به؟ قال: أعفنا عن هذا وعن الكلام فيه أصلحك الله،

(1) أقور: أعور.
(2) المخبتين: الخاضعين لله المتوكلين عليه.
(3) أي صدقة الرجل الذي ليس بغني ويتصدق بما يسمح به دخله.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175