الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ٨٩
قال سليمان: نصيحة تلقيها. فقال: ما أقول في سلطان استولى عنوة بلا مشورة من المؤمنين، ولا اجتماع من المسلمين؟ فسفكت فيه الدماء الحرام، وقطعت به الأرحام، وعطلت به الحدود، ونكثت به العهود، وكل ذلك على تنفيذ الطينة (1)، والجمع لمتاع الدنيا المشينة، ثم لم يلبثوا أن ارتحلوا عنها، فيا ليت شعري ما تقولون؟ وماذا يقال لكم؟ فقال بعض جلسائه: بئس ما قلت يا أقور (2)، أمير المؤمنين يستقبل بهذا؟ فقال أبو حازم: اسكت يا كاذب، فإنما أهلك فرعون هامان، وهامان فرعون، إن الله قد أخذ على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه: أي لا ينبذونه وراء ظهورهم. قال سليمان:
يا أبا حازم: كيف لنا أن نصلح ما فسد منا؟ فقال: المأخذ في ذلك قريب يسير يا أمير المؤمنين، فاستوى سليمان جالسا من اتكائه. فقال: كيف ذلك؟ فقال: تأخذ المال من حله، وتضعه في أهله، وتكف الأكف عما نهيت، وتمضيها فيما أمرت به. قال سليمان: ومن يطيق ذلك؟ فقال أبو حازم: من هرب من النار إلى الجنة، ونبذ سوء العادة إلى خير العبادة.
فقال سليمان: اصحبنا يا أبا حازم، وتوجه معنا تصب منا ونصب منك. قال أبو حازم: أعوذ بالله من ذلك، قال سليمان: ولم يا أبا حازم؟ قال: أخاف أن أركن إلى الذين ظلموا، فيذيقني الله ضعف الحياة، وضعف المماة. فقال سليمان: فتزورنا. قال أبو حازم: إنا عهدنا الملوك يأتون العلماء ولم يكن العلماء يأتون الملوك، فصار في ذلك صلاح الفريقين، ثم صرنا الآن في زمان صار العلماء يأتون الملوك، والملوك تقعد عن العلماء، فصار في ذلك فساد الفريقين جميعا. قال سليمان: فأوصنا يا أبا حازم وأوجز. قال: اتق الله ألا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك من حيث أمرك. قال سليمان: ادع لنا بخير. فقال أبو حازم: اللهم إن كان سليمان وليك فبشره بخير الدنيا والآخرة، وإن كان عدوك فخذ إلى الخير بناصيته. قال سليمان: زدني. قال: قد أوجزت، فإن كنت وليه فاغتبط، وإن كنت عدوه فاتعظ، فإن رحمته في الدنيا مباحة، ولا يكتبها في الآخرة إلا لمن اتقى في الدنيا، فلا نفع في قوس ترمى بلا وتر: فقال سليمان: هات يا غلام ألف دينار، فأتاه بها، فقال خذها يا أبا حازم. فقال: لا حاجة لي بها، لأني وغيري في هذا المال سواء، فإن سويت بيننا وعدلت أخذت، وإلا فلا، لأني أخاف أن يكون ثمنا لما سمعت من كلامي. وإن موسى بن عمران عليه السلام لما هرب من فرعون ورد ماء مدين،

(1) الطينة: الطبيعة الإنسانية والخلقة البشرية التي تحب السلطان وتعشق السيطرة.
(2) أي يا أعور كما سبق.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175