ولا أنا من الحق بذي جنف (1) ولن ترد محاورة الكلام مواضع الحمام (2)، وأنا أقول كما قال العبد الصالح (3). (فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون) قال: ثم قال موسى: أفتأذن في رأسه يا أمير المؤمنين؟ واغرورقت عيناه: فقال له سليمان: نعم، فخذه، فقام موسى فأخذه، وجعله في طرف قميصه الذي كان عليه، ثم أدير في السماطين (4)، فوقع الطرف الآخر عن منكبيه، وهو يجره لا يحفل به ولا يرفعه. فقال له خالد بن الريان: ارفع ثوبك يا بن نصير، فالتفت موسى وقال: ما أنت وذاك يا خالد. قال سليمان: دعه، حسبه ما فعلنا به: فلما توارى موسى قال سليمان: دعه إن في الشيخ لبقية بعد. ثم إن موسى التفت إلى حبيب بن أبي عبيدة فكلمه بكلام غليظ حتى ذكر أمرا خفيا من نسبه فأفحمه ثم إن سليمان كشف عن أمر عبد العزيز، فألفى ذلك باطلا، وأن عبد العزيز لم يزل صحيح الطاعة، مستقيم الطريقة، فلما تحقق عند سليمان باطل ما رفع إليه عن عبد العزيز ندم، وأمر بالوفد فأخرجوا، ولم ينظر في شئ من حوائجهم، وأهدر عن موسى بقية القضية، التي كان سليمان قاضاه عليها، وكان سليمان قد آلى قبل خلافته، لئن ظفر بالحجاج بن يوسف وموسى بن نصير ليعزلنهما، ثم لا يليان معه من أمور الناس شيئا.
فلما رضي عن موسى جعل يقول: ما ندمت على شئ ندامتي، أن لا كنت خلوا من اليمين على موسى في أن لا أوليه شيئا، ما مثل موسى أستغني عنه.
قال: وإن موسى دخل على سليمان في آخر يوم من شعبان عند المغرب، وهو مستشرف على سطح وعنده الناس. فلما رآه سليمان قال: عندكم والله من إن سألتموه عن الهلال ليخبرنكم أنه قد رآه وقد غم الهلال يومئذ على سليمان والناس. فلما دنا موسى وسلم قال له سليمان أرأيت الهلال بعد يا موسى؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين ها هو ذاك، وأشار بأصبعه إلى ناحية، وهو مقبل على سليمان بوجهه، فرمى الناس بأبصارهم حيث أشار موسى، فأبصروا الهلال فلما جلس موسى قال إني والله لست بأحدكم بصرا، ولكني أعلمكم بمطالعه ومناسقه (5). وقال: فخرج فلقيه يزيد بن المهلب، فقال له: يا أبا عبد الرحمن،