أما أهل الكتاب منهم أعني اليهود والنصارى ومن يلحق بهم (من المجوس والصابئة) فقد كانت مجتمعاتهم تدار بالأهواء الاستبدادية والتحكمات الفردية من الملوك والرؤساء والحكام والعمال، فكانت مقتسمة طبعا إلى طبقتين: طبقة حاكمة فعالة لما تشاء، تعبث بالنفس والعرض والمال وطبقة محكومة مستعبدة مستذلة لا أمن لها في مال ولا عرض ولا نفس ولا حرية ولا إرادة إلا ما وافق من يفوقها. وقد كانت الطبقة الحاكمة استمالت علماء الدين وحملة الشرع وائتلفت بهم، وأخذت مجامع قلوب العامة وأفكارهم بأيديهم، فكانت بالحقيقة هي الحاكمة في دين الناس ودنياهم، تحكم في دين الناس كيفما أرادت بلسان العلماء وأقلامهم، وفي دنياهم بالسوط والسيف.
هذا وقد انقسمت الطبقة المحكومة أيضا حسب قوتها في السطوة والثروة فيما بينهم، إلى طبقتي الأغنياء المترفين والضعفاء والعجزة والعبيد، وإلى رب البيت ومربوبيه من النساء والأولاد، وكذا إلى الرجال المالكين لحرية الإرادة والعمل في جميع شؤون الحياة وإلى النساء المحرومات من جميع ذلك والتابعات للرجال محضا والخادمات لهم فيما أرادوه منهن من غير استقلال ولو يسيرا.
ومجمل هذه الحقيقة يظهر من قوله سبحانه: * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) * (1) وكذا قوله سبحانه: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى