فمعلوم أن الافتراق فيهما حادث بعد أن لم يكن وإذا كان الامر فيما في العالم من شئ كذلك وكان حكم ما لم يشاهد وما هو من جنس ما شاهدنا في معنى جسم أو قائم بجسم وكان ما لم يخل من الحدث لا شك أنه محدث بتأليف مؤلف له إن كان مجتمعا وتفريق مفرق له إن كان مفترقا وكان معلوما بذلك أن جامع ذلك إن كان مجتمعا ومفرقه إن كان مفترقا من لا يشبهه ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات الذي لا يشبهه شئ وهو على كل شئ قدير فبين بما وصفنا أن بارئ الأشياء ومحدثها كان قبل كل شئ وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات وأن محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها إذ كان من المحال أن يكون شئ يحدث شيئا الا ومحدثه قبله وأن في قوله تعالى ذكره (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) لا بلغ الحجج وأدل الدلائل لمن فكر بعقل واعتبر بفهم على قدم بارئها وحدوث كل ما جانسها وأن لها خالقا لا يشبهها وذلك أن كلما ذكر ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية من الجبال والأرض والإبل فان ابن آدم يعالجه ويدبره بتحويل وتصريف وحفر ونحت وهدم غير ممتنع عليه شئ من ذلك ثم إن ابن آدم مع ذلك غير قادر على إيجاد شئ من ذلك من غير أصل فمعلوم أن العاجز عن إيجاد ذلك لم يحدث نفسه وأن الذي هو غير ممتنع ممن أراد تصريفه وتقليبه لم يوجده من هو مثله ولا هو أوجد نفسه وأن الذي أنشأه وأوجد عينه هو الذي لا يعجزه شئ أراده ولا يمتنع على إحداث شئ شاء إحداثه وهو الله الواحد القهار * فان قال قائل فما ينكر أن تكون الأشياء التي ذكرت من فعل قديمين قيل أنكرنا ذلك لوجودنا اتصال التدبير وتمام الخلق * فقلنا لو كان المدبر اثنين لم يخلو من اتفاق أو اختلاف فان كانا متفقين فمعناهما واحد وإنما جعل الواحد اثنين من قال بالاثنين وإن كانا مختلفين كان محالا وجود الخلق على التمام والتدبير على الاتصال لان المختلفين فعل كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه بأن أحدهما إذا أحيا أمات الآخر وإذا أوجد أحدهما أفنى الآخر
(١٩)