اسمها من اسم المشترى، فجمع فيها العلم والعلماء وبنى بها اثنا عشر (1) قصرا على عدة (2) بروج السماء وسماها بأسمائها، وخزن كتب أهل العلم، وأسكنها العلماء.. من غير كلام أبى سهل: بنى سبعة بيوت على عدد الكواكب السبعة، وجعل كل بيت منها إلى رجل، فجعل بيت عطارد إلى هرمس. وبيت المشترى إلى تينكلوس. وبيت المريخ، إلى طينقروس.. رجعنا إلى كلام أبى سهل: فانقاد لهم الناس، وانقادوا لقولهم ودبروا أمورهم، لمعرفتهم بفضلهم عليهم في أنواع العلم وحيل المنافع. إلى أن بعث نبي في ذلك الزمان، فإنهم أنكروا عند ظهوره، وما بلغهم من امره، علمهم، واختلط عليهم كثير من رأيهم، فتشتت أمرهم واختلفت أهوائهم وجماعتهم، فأم كل عالم منهم بلدة ليسكنها (3) ويكون فيها ويترأس على أهلها. وكان فيهم (4) عالم يقال له هرمس، وكان من أكملهم عقلا وأصوبهم علما وألطفهم نظرا، فسقط إلى ارض مصر. فملك أهلها وعمر أرضها وأصلح أحوال سكانها، وأظهر علمه فيها.
وبقى جل ذلك وأكثره ببابل، إلى أن خرج الإسكندر ملك اليونانيين، غازيا ارض فارس، من مدينة للروم يقال لها مقدونية، عند الذي كان من انكاره الفدية التي لم تزل جارية على أهل بابل ومملكة فارس، وقتله دارا بن دارا الملك، واستيلائه على ملكه وهدمه المدائن واخرابه المجادل المبنية بالشياطين والجبابرة واهلاكه ما كان في صنوف البناء من أنواع العلم الذي كان منقوشا، مكتوبا في صخور ذلك وخشبه، بهدم ذلك واحراقه، وتفريق مؤتلفه.
ونسخ ما كان مجموعا من ذلك في الدواوين والخزائن بمدينة إصطخر. وقلبه إلى اللسان الرومي والقبطي، ثم أحرق، بعد فراغه من نسخ حاجته منها، ما كان مكتوبا بالفارسية. وكتاب يقال له الكشتج واخذ ما كان يحتاج إليه من علم النجوم والطب والطبائع، فبعث بتلك الكتب وسائر ما أصاب من العلوم والأموال والخزائن والعلماء إلى بلاد مصر. وقد كانت تبقت أشياء بناحية الهند والصين، كانت ملوك فارس نسختها على عهد نبيهم زرادشت، وجاماسب العالم، وأحرزتها هناك. لما كان نبيهم، وجاماسب حذراهم من فعلة الإسكندر، وغلبته على بلادهم، وإهلاكه ما قدر عليه من كتبهم وعلمهم، وتحويله إياه عنهم إلى بلاده. فدرس عنه ذلك العلم بالعراق، وتمزق واختلفت العلماء وقلت، وصار الناس أصحاب عصبية وفرقة، وصار لكل طائفة منهم ملك، فسموا ملوك الطوائف واجتمع ملك (5) الروم لملك واحد، بعد الذي كان فيهم من التفرق والاختلاط والتحارب قبل ملك الإسكندر، فصاروا بذلك يدا واحدة. ولم يزل ملك بابل منتشرا ضعيفا فاسدا ولم يزل أهله مقهورين مغلوبين لا يمنعون حريما ولا يدفعون ضيما، إلى أن ملك أردشير بن بابك من نسل ساسان، فألف مختلفهم وجمع متفرقهم وقهر عدوهم واستولى على بلادهم واجتمع له أمرهم وأذهب عصبيتهم واستقام له ملكهم. فبعث إلى بلاد الهند والصين في الكتب التي كانت قبلهم والى الروم. ونسخ ما كان سقط إليهم، وتتبع بقايا يسيرة بقيت بالعراق فجمع منها ما كان متفرقا، وألف منها ما كان متباينا. وفعل ذلك من بعده ابنه سابور، حتى نسخت تلك الكتب كلها بالفارسية، على ما كان هرمس البابلي الذي كان ملكا على مصر، ودورينوس؟ السرياني، وفيدروس اليوناني من مدينة أثينس المذكورة بالعلم، وبطلميوس الإسكندراني وفرماسب الهندي، فشرحوها وعلموها الناس على مثل ما كانوا أخذوا من جميع تلك الكتب التي كان أصلها من بابل.
ثم جمعها وألفها وعمل بها من بعدهما كسرى أنوشروان، لنيته كانت في العلم ومحبته، ولأهل كل زمان