رضي الله عنه: ويقال ان السبب في ذلك أيضا انه مر بابى الأسود سعد، وكان رجلا فارسيا من أهل نوبندجان (1) كان قدم البصرة مع جماعة أهله، فدنوا من قدامة بن مظعون وادعوا انهم أسلموا على يديه وانهم بذلك من مواليه، فمر سعد هذا بابى الأسود وهو يقود فرسه، فقال مالك يا سعد لم لا تركب، قال: ان فرسي ضالع أراد ظالعا.
قال: فضحك به بعض من حضره، فقال أبو الأسود هؤلاء الموالى قد رغبوا في الاسلام ودخلوا فيه فصاروا لنا إخوة فلو عملنا لهم الكلام. فوضع باب الفاعل والمفعول به (2).
سبب يدل عن أن (أول) من وضع في النحو كلاما أبو الأسود الدوئلي قال محمد بن إسحاق: كان بمدينة الحديثة رجل يقال له محمد بن الحسين ويعرف بابن أبى بعرة، جماعة للكتب، له خزانة لم أر لأحد مثلها كثرة، تحتوي على قطعة من الكتب الغريبة (3) في النحو واللغة والأدب، والكتب القديمة، فلقيت هذا الرجل دفعات فآنس بي، وكان نفورا ضنينا بما عنده وخائفا من بنى حمدان. فاخرج إلى قمطرا كبيرا فيه نحو ثلثمائة رطل جلود فلجان وصكاك وقرطاس مصر وورق صيني وورق تهامي وجلود ادم وورق خراساني فيها تعليقات (لغة) عن العرب وقصائد مفردات من أشعارهم، وشئ من النحو والحكايات و الاخبار والأسمار (4) والأنساب وغير ذلك من علوم العرب وغيرهم. وذكر ان رجلا من أهل الكوفة، ذهب عنى اسمه، كان مستهترا بجمع الخطوط القديمة، وانه لما حضرته الوفاة خصه بذلك لصداقة كانت بينهما وأفضال من محمد بن الحسين عليه ومجانسة بالمذهب فإنه كان شيعيا، فرأيتها وقلبتها فرأيت عجبا. الا ان الزمان قد أخلقها وعمل فيها عملا أدرسها وأحرفها. وكان على كل جزء أو ورقة أو مدرج، توقيع بخطوط العلماء واحدا إثر واحد، يذكر فيه (5) خط من هو، وتحت كل توقيع، توقيع آخر خمسة وستة من شهادات العلماء على خطوط بعض لبعض، ورأيت في جملتها مصحفا بخط خالد بن أبي الهياج صاحب علي عليه السلام (6). ثم وصل هذا المصحف إلى أبى عبد الله ابن حاني رحمه الله. ورأيت فيها بخطوط الأئمة من الحسن والى الحسين (7) عليهم السلام. ورأيت عدة أمانات وعهود (8) بخط أمير المؤمنين علي عليه السلام وبخط غيره من كتاب النبي عليه السلام (9) ومن خطوط العلماء في النحو واللغة، مثل أبى عمرو بن العلاء وأبى عمرو الشيباني والأصمعي وابن الاعرابي وسيبويه والفراء والكسائي. ومن خطوط أصحاب الحديث، مثل سفيان بن عيينة وسفيان الثوري والأوزاعي وغيرهم. ورأيت ما يدل على أن النحو عن أبي الأسود ما هذه حكايته، وهي أربعة أوراق احسبها من ورق الصيني ترجمتها:
هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبى الأسود رحمة الله عليه، بخط يحيى بن يعمر. وتحت هذا الخط بخط عتيق، هذا خط علان النحوي. وتحته، هذا خط النضر بن شميل. ثم لما مات هذا الرجل فقدنا القمطر وما كان فيه، فما سمعنا له خبرا ولا رأيت منه غير المصحف هذا على كثرة بحثي عنه.
تسمية من اخذ النحو عن أبي الأسود الدوئلي اخذ عن أبي الأسود جماعة منهم، يحيى بن يعمر، وعنبسة بن معدان، وهو عنبسة الفيل. وميمون بن الأقرن.