نجران، أنفذه الجاثليق... منذ نحو سبع سنين إلى بلد الصين، وأنفذ معه خمسة أناسي من النصارى ممن يقوم بأمر الدين فعاد من الجماعة هذا الراهب وآخر بعد ست سنين، فلقيته بدار الروم وراء البيعة، فرأيت رجلا شابا حسن الهيئة، قليل الكلام الا ان يسئل، فسألته عما خرج فيه وما السبب في إبطائه طول هذه المدة، فذكر أمورا لحقته في الطريق عاقته. وان النصارى الذين كانوا ببلد الصين، فنيوا وهلكوا بأسباب، وانه لم يبق في جميع البلاد الا رجل واحد.
وذكر انه كان لهم ثم بيعة خربت، قال: فلما لم أر من أقوم لهم بدينهم عدت في أقل من المدة التي مضيت فيها.
فمن حكاياته، قال: ان المسافات في البحر قد اختلفت، وفسد أمر (1) البحر وقل أهل الخبرة به، وظهر فيه آفات وخوف وجزائر قطعت المسافات، الا ان الذي يسلم على الغرر يسلك. وحكى ان اسم مدينة الملك، طاجويه، وفيها الملك وكانت المملكة إلى اثنين، فهلك أحدهما وبقى الاخر. قال: وكان الفاخر مما يدخل به خدم الملوك إلى حضرتها، البشان. وهو القطع التي عليها الصور خلقة في القرن. وتبلغ الأوقية منه خمسة أمنا ذهبا، فاطرحه هذا الملك الباقي، ورسم لهم الدخول إليه في مناطق الذهب وما أشبهه، فسقط ذلك حتى صارت الأوقية منه بأوقية ذهب وأقل. قال الراهب: وسألت عن أمر هذا القرن، فذكر فلاسفة الصين وعلماؤها، ان الحيوان الذي هذا قرنه إذا وضع الولد حصل في قرنه صورة أي شئ نظر إليه أولا عند خروجه من الرحم. قال: وأكثر ما يصاب فيه الذباب والسمك. قلت له: فيقال انه قرن الكركدن، فقال: ليس كما يقال، هو دابة من دواب تيك البلاد.
قال: وقيل لي انه دابة من بلد الهند وهذا هو الصحيح. قال: وفى كل مدينة من مدن الصين أربعة أمراء، أحدهم يقال له لانجون، ومعناه أمير الامراء. والاخر اسمه صراصبة، ومعناه رأس الجيش. وفى الموضع الذي فيه الصنم الأعظم وهو صورة البغبور بغراز وهي من مملكة ارض خانقون. ومن مدن الصين جنجون، وسيبون وجنبون.
قال: ومعنى بغبور بلغة الصين، ابن السماء أي نزل من السماء. وكذا قال لي جيكى الصيني في سنة ست وخمسين و ثلثمائة، وسألت الراهب (2) عن المذهب، فقال: أكثرهم ثنوية وسمنية. قال: وعامتهم يعبدون الملك ويعظمون صورته. ولها بيت عظيم في مدينة بغران يكون نحو عشرة آلاف ذراع في مثله مبنى بأنواع الصخر والآجر والذهب والفضة. وقبل الوصول إلى هذه، يشاهد القاصد إليها أنواعا من الأصنام والتماثيل والصور، والتخيلات التي تبهر عقل من لا يعرف كيف هي، وأي شئ موضوعها. وقال لي، والله يا أبا الفرج ان لو عظم أحدنا، من النصارى واليهود والمسلمين، الله جل اسمه تعظيم هؤلاء القوم لصورة ملكهم فضلا عن شخص نفسه، لأنزل الله له القطر، فإنهم إذا شاهدوها، وقع عليهم الأفكل والرعدة والجزع حتى ربما فقد الواحد عقله أياما. قلت ذلك لاستحواذ الشيطان على بلدهم وعلى جملتهم يستغويهم ليضلهم عن سبيل الله. قال: يوشك ان يكون ذلك.
حكاية أخرى من غير الراهب قال أبو دلف الينبرغي (3): اسم مدينة الملك الأعظم يسمى حمدان، ومدينة التجار والأموال خانقوا، وطولها أربعون فرسخا وليس كذي قال الراهب حال دون هذا بكثير. وقال غيره، للصين ثلثمائة مدينة كلها عامرة. وعلى كل خمسين مدينة ملك من قبل البغبور. ومن مدنهم، درصنوا وقانصوا (4)، ومدينة يقال لها ارماتيل (5)، ومنها إلى بانصوا مسيرة شهرين. وبانصوا تتصل بناحية التبت والترك والتغزغز وهم لهم موادعون. ومن التبت إلى خراسان وساحل الصين على استدارة، يكون ثلاثة آلاف فرسخ. وفى بلد الصين، السيلا، وهي من أطيب البلاد