آذربيجان وأرمينية وبلاد الديلم وهمدان ودينور، منتشرون. وفيما بين أصفهان وبلاد الأهواز وهؤلاء أهل مجوس في الأصل، ثم حدث مذهبهم. وهم ممن يعرف اللقطة (1) وصاحبهم مزدك القديم. أمرهم بتناول اللذات، والانعكاف على بلوغ الشهوات، والأكل والشرب، والمواساة والاختلاط، وترك الاستبداد بعضهم على بعض. ولهم مشاركة في الحرم والأهل، لا يمتنع الواحد منهم من حرمة الآخر ولا يمنعه. ومع هذه الحال، فيرون أفعال الخير، وترك القتل وادخال الآلام على النفوس. ولهم مذهب في الضيافات ليس هو لأحد من الأمم: إذا أضافوا الانسان لم يمنعوه من شئ يلتمسه، كائنا ما كان. وعلى هذا المذهب، مزدك الأخير: الذي ظهر في أيام قباد بن فيروز، وقتله أنوشروان وقتل أصحابه. وخبره مشهور معروف، وقد استقصى البلخي اخبار الخرمية (2) ومذاهبهم وأفعالهم في شربهم ولذاتهم وعباداتهم، في كتاب عيون المسائل والجوابات. ولا حاجة بنا إلى ذكر ما قد سبقنا إليه غيرنا.
اخبار الخرمية (3) البابكية فاما الخرمية (4) البابكية، فان صاحبهم بابك الخرمي (5). وكان يقول لمن استغواه، انه اله، وأحدث في مذاهب الخرمية (6) القتل والغصب والحروب والمثلة. ولم تكن الخرمية (7) تعرف ذلك.
السبب في بدو امره وخروجه وحروبه ومقتله قال واقد بن عمرو التميمي وعمل اخبار بابك. قال: وكان أبوه رجلا من أهل المدائن. دهانا، نزع إلى ثغر أذربيجان فسكن قربة تدعى بلال اباذ من رستاق ميمد. وكان يحمل دهنه في وعاء على ظهره، ويطوف في قرى الرستاق. فهوى امرأة عوراء وهي أم بابك. وكان يفجر بها برهة من دهره. فبينا هي وهو منتبذان عن القرية، متوحدان في غيضة ومعهم شراب يعتكفان عليه، إذ خرج من القرية نسوة يسقين الماء من عين في الغيضة.
فسمعن صوتا نبطيا يترنم به. فقصدن إليه فهجمن عليهما، فهرب عبد الله، وأخذن بشعر أم بابك، وجئن بها إلى القرية وفضحنها فيها. قال واقد: ثم إن ذلك الدهان رغب إلى أبيها فزوجه منها فأولدها بابكا. ثم خرج في بعض سفراته، إلى جبل سبلان، واعترضه من استقفاه وجرحه فقتله، فمات بعد مديدة. وأقبلت أم بابك ترضع للناس بأجرة، إلى أن صار لبابك عشر سنين، فيقال انها خرجت في يوم من الأيام تلتمس بابكا، وكان يرعى بقرا لقوم. فوجدته تحت شجرة قايلا وهو عريان، وانها رأت تحت كل شعرة من صدره ورأسه دما، فانتبه من نومه فاستوى قائما. وحال ما رأت من الدم فلم تجده، قالت: فعلمت انه سيكون لابني نبأ جليل.
قال واقد: وكان أيضا بابك مع الشبل ابن المنقي الأزدي برستاق سراة، يعمل في سياسة دوابه. وتعلم ضرب الطنبور من غلمانه. ثم صار إلى تبريز من عمل أذربيجان، فاشتغل مع محمد بن الرواد الأزدي نحو سنتين، ثم رجع إلى أمه وله ثمان عشرة سنة فأقام عنده. قال واقد بن عمرو: وكان بجبل البذ وما يليه من جباله، رجلان من العلوج متحرمين ولها جدة وثروة، وكانا متشاجرين في التملك على من بجبال البذ من الخرمية (8) ليتوحد أحدهما بالرياسة، يقال لأحدهما جاويدان بن سهرك، والاخر غلبت عليه الكنية، يعرف بابى عمران. وكانت تقوم بينهما الحرب في الصيف، وتحول (9) بينهما الثلوج في الشتاء لانسداد العقاب. فان جاويدان وهو أستاذ بابك، خرج من مدينته بألفي شاة، يريد بها مدينة زنجان من مدائن ثغور قزوين، فدخلها وباع غنمه وانصرف إلى جبل البذ،