فأدركه الثلج والليل برستاق ميمد، فعاج إلى قرية بلال اباذ فسأل جزيرها إنزاله. فمضى به بالاستخفاف منه بجاويدان، فأنزله على أم بابك وما تستبيت من ضنك وعدم. فقامت إلى نار فأججتها، ولم تقدر على غيرها.
وقام بابك إلى غلمانه ودوابه، فخدمهم واسقي لهم الماء. وبعث به جاويدان، فابتاع له طعاما وشرابا وعلفا و اتاه به، وخاطبه وناطقه فوجده على رداءة حاله وتعقد لسانه بالأعجمية فهما ورآه خبيثا شهما، فقال لامه:
أيتها المرأة انا رجل من جبل البذ، ولى بها حال ويسار، وانا محتاج إلى ابنك هذا فادفعيه إلى لأمضي به معي، فأوكله بضياعي وأموالي، وابعث بأجرته إليك في كل شهر خمسين درهما. فقالت له: انك لشبيه بالخير، وان آثار السعة عليك ظاهرة، وقد سكن قلبي إليك، فانهضه معك إذا نهضت. ثم إن أبا عمران نهض من جبله إلى جاويدان، فحاربه فهزم، فقتل جاويدان أبا عمران ورجع إلى جبله، وبه طعنة أجافته (1)، فأقام في منزله ثلاثة أيام.
ثم مات. وكانت امرأة جاويدان تتعشق بابكا وكان يفجر بها، فلما مات جاويدان، قالت له: انك جلد شهم، وقد مات، ولم ارفع بذلك صوتي إلى أحد من أصحابه، فتهيأ لغد، فأني جامعتهم إليك ومعلمتهم ان جاويدان قال انى أريد ان أموت في هذه الليلة، وان روحي تخرج من بدني وتدخل في بدن بابك وتشترك مع روحه، وانه سيبلغ بنفسه وبكم أمرا لم يبلغه أحد، ولا يبلغه بعده أحد وانه يملك الأرض ويقتل الجبابرة ويرد المزدكية ويعز به ذليلكم ويرفع (2) به وضيعكم، فطمع بابك فيما قالت له، واستبشر به وتهيأ له. فلما أصبحت، تجمع إليها جيش جاويدان، فقالوا: كيف لم يدع بنا ويوصى إلينا. قالت: ما منعه من ذلك الا انكم كنتم متفرقين في منازلكم من القرى وانه ان بعث وجمعكم انتشر خبره، فلم يأمن عليكم شرة العرب، فعهد إلى بما انا اؤديه إليكم ان قبلتموه وعملتم به. فقالوا لها: قولي ما عهد إليك، فإنه لم تكن معنا مخالفة لامره أيام حياته وليس معنا مخالفة له بعد موته. قالت: قال لي انى أموت في ليلتي هذه وان روحي تخرج من جسده وتدخل بدن هذا الغلام خادمي وقد رأيت أن أملكه على أصحابي، فإذا مت فاعلميهم ذلك، وانه لا دين لمن خالفني فيه، واختار لنفسه خلاف اختياري. قالوا: قد قبلنا عهده إليك في هذا الغلام. فدعت ببقرة فأمرت بقتلها وسلخها وبسط جلدها، وصيرت على الجلد طستا مملوا خمرا، وكسرت فيه خبزا، فصيرته حوالي الطست، ثم دعت برجل رجل، فقالت: طأ الجلد برجلك وخذ كسرة واغمسها في الخمر وكلها، وقل آمنت بك يا روح بابك، كما آمنت بروح جاويدان، ثم خذ بيد بابك فكفر عليها وقبلها. ففعلوا ذلك إلى وقت ما تهيأ لها فيه طعام، ثم أحضرتهم الطعام والشراب، وأقعدته على فراشها وقعدت معه ظاهرة لهم. فلما شربوا ثلاثا ثلاثا، اخذت طاقة ريحان فدفعتها إلى بابك فتناولها من يدها، وذلك تزويجهم. فنهضوا فكفروا لهما رضا بالتزويج. والمسلمون عربيهم (3) ومواليهم.
المذاهب التي حدثت بخراساني في الاسلام من مذاهب المجوس والخرمية (4) ظهر في صدر الدولة العباسية وقبل ظهور أبى العباس رجل يقال له بها فريد من قرية يقال لها روى من ابرشهر. مجوسي يصلى الصلوات الخمس بلا سجود، متياسر عن القبلة. وتكهن ودعا المجوس إلى مذهبه، فاستجاب له خلق كثير. فوجه إليه أبو مسلم شبيب بن داح وعبد الله بن سعيد. فعرضا عليه الاسلام وأسلم وسود. ثم لم يقبل اسلامه لتكهنه فقتل، وعلى مذهبه بخراسان جماعة إلى هذا الوقت.