ثم إن المختار دعا بالأسرى الذين أسرهم من أهل الكوفة في الوقعة التي كانت بينه وبين أهل الكوفة، فجعل يضرب أعناقهم حتى انتهى إلى سراقة البارقي، وكان فيهم، فقام بين يديه، وأنشأ يقول:
إلا من مبلغ المختار إنا * نزونا نزوة كانت علينا خرجنا لا نرى الإشراك دينا * وكان خروجنا بطرا وحينا (1) ثم قال للمختار: أيها الأمير، لو أنكم أنتم الذين قاتلتمونا لم تطمعوا فينا.
فقال له المختار: فمن قاتلكم؟
قال سراقة: قاتلنا قوم بيض الوجوه على خيل شهب.
قال له المختار: تلك الملائكة، ويلك، أما إذ رأيتهم فقد وهبتك لهم.
ثم خلى سبيله، فهرب، فلحق بالبصرة، وأنشأ يقول:
ألا أبلغ أبا إسحاق أني * رأيت الشهب كمتا مصمتات (2) أرى عيني ما لم ترأياه * كلانا عالم بالترهات كفرت بدينكم وبرئت منكم * ومن قتلاكم حتى الممات وهرب أسماء بن خارجة الفزاري، وكان شيخ أهل الكوفة وسيدهم من المختار خوفا على نفسه، فنزل على ماء لبني أسد يسمى ذروة: في نفر من مواليه وأهل بيته فأقام به.
وهرب عمرو بن الحجاج، وكان من رؤساء قتلة الحسين، يريد البصرة، فخاف الشماتة فعدل إلى سراف.
فقال له أهل الماء: ارحل عنا، فإنا لأنا من المختار، فارتجل عنهم، فتلاوموا، وقالوا: قد أسأنا.
فركبت جماعة منهم في طلبه ليردوه، فلما رآهم من بعيد ظن أنهم من أصحاب