وأقبل حتى وافى البصرة، فصعد على المنبر، وكان نزر الكلام وجيزة، فقال:
(أيها الناس، إنه قد غشيكم عدو جاحد، يسفك دماءكم، وينتهب أموالكم، فإن أعطيتموني خصالا أسألكموها قمت لكم بحربهم، واستعنت بالله عليهم، وإلا كنت كواحد منكم لمن تجتمعون عليه في أمركم).
قالوا: وما الذي تريد؟
قال: انتخب منكم أوساطكم، لا الغني المثقل، ولا السبروت (1) المخف، وعلى أن لي ما غلبت عليه من الأرض، وألا أخالف فيما أدبر من رأيي في حربهم، وأترك ورأيي الذي أراه، وتدبيري الذي أدبره.
فناداه الناس: لك ذلك، وقد رضينا به.
فنزل من المنبر، وأتى منزله، وأمر بديوان الجند، فأحضر، فانتخب من أبطال أهل البصرة عشرين ألف رجل، فيهم من الأزد ثمانية آلاف رجل، وبقيتهم من سائر العرب، وولى ابنه المغيرة مقدمته في ثلاثة آلاف رجل.
وسار حتى أتى الخوارج، وهم (بنهر تستر) (2)، فواقعهم، فهزمهم، حتى بلغوا الأهواز، فقال زياد الأعجم في ذلك:
جزى الله خيرا، والجزاء بكفه * أخا الأزد عنا ما أذب وأحربا ولما رأينا الأمر قد جد جده * وإلا توارى دوننا الشمس كوكبا دعونا أبا غسان، فاستك سمعه * وأحنف طأطأ رأسه، وتهيبا وكان ابن منجوف لكل عظيمة * فقصر عنها حبله وتذبذبا فلما رأينا القوم قد كل حدهم * لدى حربهم فيها دعونا المهلبا