فاغتاظ ابن زياد من ذلك، فكان لا يدع بالبصرة أحدا ممن يتهم برأي الخوارج إلا قتله، حتى قتل بالتهمة والظنة تسعمائة رجل.
ولم يزل يتفاقم أمر الخوارج، ويتحلب إليهم من كان على رأيهم وهواهم من أهل البصرة حتى كثروا بعد موت يزيد، وهرب عبيد الله بن زياد من العراق.
وخاف أهل البصرة الخوارج على أنفسهم، ولم يكن يومئذ عليهم سلطان، فاجتمعوا على مسلم بن عبيس القرشي، ووجهوا معه خمسة آلاف فارس من إبطال البصرة، فسار إليهم، فلحقهم بمكان يسمى (الدولاب) (1) فالتقوا واقتتلوا، وصبر بعضهم لبعض، حتى تكسرت الرماح وتقطعت السيوف، وصاروا إلى المكادمة، فقتل مسلم بن عبيس، وانهزم أصحابه.
فقال رجل من الأزد:
قد رمينا العدو إذ عظم الخطب * بذي الجود مسلم بن عبيس فانظروا غير مسلم بن عبيس * فاطلبوه من حيث أين وليس (2) لو رموا بالمهلب بن أبي صفرة * كانوا له كأكلة حيس (3) وكان المهلب يومئذ بخراسان على ولايتها.
فخاف أهل البصرة حين قتل مسلم بن عبيس خوفا شديدا من الخوارج، فاختاروا عثمان بن معمر القرشي، وانتدب معه زهاء عشرة آلاف رجل من إبطالهم، فسار بهم عثمان في طلب الخوارج، فلحقهم بفارس، فاقتتلوا، فقتل عثمان، وانهزم أصحابه.
* * * فكتب أهل البصرة إلى عبد الله بن الزبير يعلمونه أنه لا إمام لهم، ويسألونه أن يوجه إليهم رجلا من قبله يتولى الأمر.