وسائر ذلك خلاف وغرب ملتف لا يسلك، وجميع الغيضة نزور ووحل إلا ذلك الطريق الذي يأخذ من القرية إلى الفرات.
فأقبل سفيان بن عمرو وأبو الأعور حتى سبقا إلى موضع القرية، فنزلا هناك مع ذلك الطريق، ووافاهما معاوية بجميع الفيلق، حتى نزل معهما، وعسكر مع القرية، وأمر معاوية أبا الأعور أن يقف في عشرة آلاف من أهل الشام على طريق الشريعة، فيمنع من أراد السلوك إلى الماء من أهل العراق.
وأقبل علي رضي الله عنه حتى وافى المكان، فصادف أهل الشام قد احتووا على القرية والطريق، فأمر الناس، فنزلوا بالقرب من عسكر معاوية، وانطلق السقاءون والغلمان إلى طريق الماء، فحال أبو الأعور بينهم وبينه.
وأخبر علي رضي الله عنه بذلك، فقال لصعصعة بن صوحان (إيت معاوية، فقل له، إنا سرنا إليكم لنعذر قبل القتال، فإن قبلتم كانت العافية أحب إلينا، وأراك قد حلت بيننا وبين الماء، فإن كان أعجب إليك أن ندع ما جئنا له، ونذر الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا.
فقال الوليد: (أمنعهم الماء كما منعوه أمير المؤمنين عثمان، اقتلهم عطشا، قتلهم الله).
فقال معاوية لعمرو بن العاص: ما ترى؟.
قال: (أرى أن تخلي عن الماء، فإن القوم لن يعطشوا وأنت ريان).
فقال عبد الله بن أبي سرح، وكان أخا عثمان لأمه: (أمنعهم الماء إلى الليل، لعلهم أن ينصرفوا إلى طرف الغيضة، فيكون انصرافهم هزيمة).
فقال صعصعة لمعاوية: (ما الذي ترى؟).
قال معاوية: ارجع، فسيأتيكم رأيي). فانصرف صعصعة إلى علي، فأخبره بذلك.
وظل أهل العراق يومهم ذلك وليلتهم بلا ماء إلا من كان ينصرف من الغلمان إلى طرف الغيضة، فيمشي مقدار فرسخين، فيستقي، فغم عليا رضي الله عنه