وفتح معاوية الكتاب فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد فقد لزمك ومن قبلك من المسلمين بيعتي، وأنا بالمدينة، وأنتم بالشام، لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
فليس للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الأمر في ذلك للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل مسلم، فسموه إماما، كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم أحد بطعن فيه أو رغبة عنه رد إلى ما خرج منه، فإن أبي قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، ويصله جهنم وساءت مصيرا، فادخل فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار، فإن أحب الأمور فيك وفيمن قبلك العافية، فإن قبلتها وإلا فائذن بحرب، وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إلي، أحملك وإياهم على ما في كتاب الله وسنة نبيه، فأما تلك التي تريدها، فإنما هي خدعة الصبي عن الرضاع).
فجمع معاوية إليه أشراف أهل بيته، فاستشارهم في أمره، فقال أخوه عتبة بن أبي سفيان: (استعن على أمرك بعمرو بن العاص) وكان مقيما في ضيعة له من حيز فلسطين، قد اعتزل الفتنة. فكتب إليه معاوية (أنه قد كان من أمر علي في طلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين ما بلغك، وقد قدم علينا جرير بن عبد الله في أخذنا ببيعة علي، فحبست نفسي عليك، فأقبل، أناظرك في ذلك، والسلام).
فسار ومعه ابناه عبد الله ومحمد حتى قدم على معاوية، وقد عرف حاجة معاوية إليه، فقال له معاوية: (أبا عبد الله، طرقتنا في هذه الأيام ثلاثة أمور، ليس فيها ورد ولا صدر)، قال: (وما هن؟) قال: (أما أولهن، فإن محمد بن أبي حذيفة كسر السجن وهرب نحو مصر فيمن كان معه من أصحابه، وهو من أعدى الناس لنا، وأما الثانية فإن قيصر الروم قد جمع الجنود ليخرج إلينا فيحاربنا على الشام، وأما الثالثة فإن جريرا قدم رسولا لعلي بن أبي طالب يدعونا إلى البيعة له أو إيذان بحرب).