إليه رجل من مراد الكوفة، يقال له (أعين بن ضبيعة)، فكشف عرقوبه بالسيف، فسقط وله رغاء، فغرق في القتلى، و مال الهودج بعائشة، فقال علي لمحمد بن أبي بكر: (تقدم إلى أختك)، فدنا محمد، فأدخل يده في الهودج، فنالت يده ثياب عائشة، فقالت: (أنا لله، من أنت، ثكلتك أمك)، فقال (أنا أخوك محمد).
ونادى علي رضي الله عنه في أصحابه: لا تتبعوا موليا، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تنتهبوا مالا، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن). قال: فجعلوا يمرون بالذهب والفضة في معسكرهم والمتاع، فلا يعرض له أحد إلا ما كان من السلاح الذي قاتلوا به، و الدواب التي حاربوا عليها، فقال له بعض أصحابه: (يا أمير المؤمنين، كيف حل لنا قتالهم، ولم يحل لنا سبيهم وأموالهم) فقال علي رضي الله عنه: (ليس على الموحدين سبي، ولا يغنم من أموالهم إلا ما قاتلوا به وعليه، فدعوا مالا تعرفون، والزموا ما تؤمرون).
قال: وأمر علي محمد بن أبي بكر أن ينزل عائشة فأنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي، وكان عبد الله فيمن قتل ذلك اليوم، فنزلت عند امرأته صفية.
وقال علي رضي الله عنه لمحمد: (انظر هل وصل إلى أختك شئ؟) قال: (أصاب ساعدها خدش سهم، دخل بين صفائح الحديد).
ودخل علي رضي الله عنه البصرة، فأتى مسجدها الأعظم، واجتمع الناس إليه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (أما بعد، فإن الله ذو رحمة واسعة وعقاب أليم، فما ظنكم بي يا أهل البصرة جند المرأة وأتباع البهيمة؟ رغا، فقاتلتم، وعقر، فانهزمتم، أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، وماؤكم زعاق (1)، أرضكم قريبة من الماء، بعيدة من السماء،