قال ابن زياد: (لا والله، لا تفارقني حتى تأتيني به).
فقال هانئ: (أو يجمل بي أن أسلم ضيفي وجاري للقتل؟ والله لا أفعل ذلك أبدا).
فاعترضه ابن زياد بالخيزرانة، فضرب وجهه، وهشم أنفه، وكسر حاجبه، وأمر به، فأدخل بيتا.
وبلغ مذحجا أن ابن زياد قد قتل هانئا، فاجتمعوا بباب القصر، وصاحوا.
فقال ابن زياد لشريح القاضي - وكان عنده -: (ادخل إلى صاحبهم، فانظر إليه، ثم اخرج إليهم، فأعلمهم أنه حي). ففعل.
فقال لهم سيدهم عمرو بن الحجاج: (أما إذ كان صاحبكم حيا فما يعجلكم الفتنة؟ انصرفوا). فانصرفوا.
فلما علم ابن زياد انهم قد انصرفوا أمر بهانئ، فأتي به السوق، فضربت عنقه هناك.
* * * ولما بلغ مسلم بن عقيل قتل هانئ بن عروة نادى فيمن كان بايعه، فاجتمعوا، فعقد لعبد الرحمن بن كريز الكندي على كندة وربيعة، وعقد لمسلم بن عوسجة على مذحج وأسد، وعقد لأبي ثمامة الصيداوي على تميم وهمدان، وعقد للعباس بن جعدة بن هبيرة على قريش والأنصار، فتقدموا جميعا حتى أحاطوا بالقصر، واتبعهم هو في بقية الناس.
وتحصن عبيد الله بن زياد في القصر مع من حضر مجلسه في ذلك اليوم من أشراف أهل الكوفة والأعوان والشرط، وكانوا مقدار مائتي رجل، فقاموا على سور القصر يرمون القوم بالمدر (1) والنشاب، ويمنعونهم من الدنو من القصر، فلم يزالوا بذلك حتى أمسوا.