فجعل بندوية يشتم كسرى، ويشتم أباه، ويذكر غدر آل ساسان، ونكثهم، ويقال كل ذلك لكسرى، فقال لمن حوله من وزرائه: يزعم بندوية أن آل ساسان غدرة نكثة، وينسى نفسه في غدره بالملك، أبينا، حين دخل عليه مع أخيه بسطام، فألقيا العمامة في عنقه، ثم خنقاه بها ظلما وعدوا، ليتقربا بذلك إلي، كأنه ليس لي بوالد.
ثم ركب إلى الميدان، فمر ببندوية، وهو ملقى على قارعة الطريق، فأمر الناس أن يرجموه بالحجارة، فرجموه حتى مات. وقال: هذه، حتى تأتي أختها.
يعني ما أراد من إلحاق بسطام بأخيه بندوية، ثم أمر كاتب السر أن يكتب إلى بسطام ليخلف على عمله ثقة، ويقدم مستخفيا ليناظره في بعض الأمر، ففعل بسطام ذلك، وأقبل على البريد، فلما انتهى إلى حد قومس استقبله مردان به قهرمان أخيه بندوية، فلما نظر إليه من بعيد رفع صوته بالبكاء والعويل، فقال له بسطام: (ما وراءك؟) فأخبره بمقتل أخيه، فلم يجد مذهبا في الأرض، فعدل إلى من بالديلم من أصحاب بهرام.
وبلغ مردان سينه رئيس أصحاب بهرام قدوم بسطام عليه، ففرح بذلك، وخرج متلقيا له في جميع أصحابه، لشرف بسطام في العجم، وفضله، ثم أقبلوا به حتى أنزلوه منزلا بهيا، وركب إليه أشراف تلك البلاد، فأقام عندهم آمنا، ثم إن مردان سينه ويزدجشنس والعظماء قالوا لبسطام: ما بال كسرى أحق بالملك منك، وأنت ابن سابور بن خربنداد من صميم ولد بهمن بن إسفندياذ، وإنكم لإخوة بني ساسان وشركاؤهم، فهلم نبايعك ونزوجك) كردية أخت بهرام، ومعنا سرير ذهب قد كان حمله بهرام من المدائن، فاجلس عليه، وادع لنفسك، فإن أهل بيتك من ولد دارا بن بهمن سينحلبون إليك، وإذا قويت شوكتك، وكثر جندك، سرت إلى الغادر كسرى، فحاربته، وحاولت ملكه، فإن نلت ما تريد فذاك الذي نحب وتحب، وإن قتلت قتلت وأنت تحاول ملكا، وإن ذلك أبعد لصوتك، وأنبه لذكرك.