وبتقدير دلالة ذلك على وجوب القبول لكنها دلالة ظنية، فلا يحتج بها في الأصول.
ومنها قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا، كونوا قوامين بالقسط، شهداء لله) * (4) النساء: 135) أمر بالقيام بالقسط والشهادة لله، والامر للوجوب. ومن أخبر عن الرسول بما سمعه منه، فقد قام بالقسط وشهد لله، فكان ذلك واجبا عليه، وإنما يكون ذلك واجبا إن لو كان القبول واجبا، وإلا كان وجود الشهادة كعدمها، وهو ممتنع.
ولقائل أن يقول: لا أسلم دلالة الآية على وجوب القيام بالقسط والشهادة لله على ما يأتي. وإن سلمنا دلالتها على وجوب ذلك، غير أنا نقول بموجب الآية، فإن الشهادة لله، والقيام بالقسط إنما يكون فيما يجوز العمل به. وأما ما لا يجوز العمل به فلا يكون قياما بالقسط، ولا شهادة لله. وعند ذلك، فيتوقف العمل بالآية في وجوب قبول خبر الواحد. على أنه قام بالقسط، وأنه شاهد لله وقيامه بالقسط وشهادته لله متوقف عل قبول خبره وجواز العمل به، وهو دور ممتنع.
وإن سلمنا أنه شهد لله، وقام بالقسط، ولكن لا نسلم أنه واجب القبول، ودليله ما سبق وبتقدير دلالة الآية على وجوب القبول، ولكن لجهة الظن، فلا يصح.
ومنها ما اشتهر، واستفاض بالنقل المتواتر عن النبي، صلى الله عليه وسلم أنه كان ينفذ آحاد الصحابة إلى النواحي والقبائل والبلاد بالدعاء إلى الاسلام، وتبليغ الاخبار والاحكام، وفصل الخصومات، وقبض الزكوات ونحو ذلك، مع علمنا بتكليف المبعوث إليه بالطاعة والانقياد لقبول قول المبعوث إليهم، والعمل بمقتضى ما يقول، مع كون المنفذ من الآحاد. ولو لم يكن خبر الواحد حجة، لما كان كذلك.