وجب فإنما يجب بدليل آخر، موجب لطاعة الرسول فيما يحكم به، تعظيما له، ونفيا لما يلزم من مخالفته، من تحقيره وهضمه في أعين الناس المبعوث إليهم، المفضي إلى الاخلال بمقصود البعثة، وإلا، فلا يبعد أن يقول السيد لاحد عبديه أوجبت عليك أن تأخذ من العبد الآخر كذا ويقول الآخر حرمت عليك موافقته من غير مناقضة فيما أوجبه، ولو كان إيجاب ذلك على أحد العبدين إيجابا على العبد الآخر لكان تناقضا.
فإن قيل: وجوب الاخذ إنما يتم بالاعطاء، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.
قلنا: إن كان الوجوب متعلقا بنفس الطلب، فهو غير متوقف على الاعطاء.
وإن كان متعلقا بنفس الاخذ، (وإن كان لا يتم ذلك دون الاعطاء) فليس كل ما يتوقف عليه الواجب يكون واجبا، إلا أن يكون ذلك مقدورا لمن وجب عليه الاخذ، وإعطاء الغير غير مقدور لمن وجب عليه الاخذ، فلا يكون واجبا.
المسألة الحادية عشرة إذا أمر بفعل من الافعال مطلقا غير مقيد في اللفظ بقيد خاص، قال بعض أصحابنا: الامر إنما تعلق بالماهية الكلية المشتركة، ولا تعلق له بشئ من جزئياتها، وذلك كالأمر بالبيع، فإنه لا يكون أمرا بالبيع بالغبن الفاحش، ولا بثمن المثل، إذ هما متفقان في مسمى البيع، ومختلفان بصفتهما. والامر إنما تعلق بالقدر المشترك، وهو غير مستلزم لما تخصص به كل واحد من الامرين، فلا يكون الامر المتعلق بالأعم متعلقا بالأخص، اللهم إلا أن تدل القرينة على إرادة أحد الامرين.
قال: ولذلك قلنا إن الوكيل في البيع المطلق لا يملك البيع بالغبن الفاحش، وهو غير صحيح. وذلك لان ما به الاشتراك بين الجزئيات معنى كلي لا تصور لوجوده في الأعيان، وإلا كان موجودا في جزئياته. ويلزم من ذلك انحصار ما يصلح اشتراك كثيرين فيه فيما لا يصلح لذلك وهو محال.