والجواب عن الخبر الأول أن سكوته قبل الاستثناء يحتمل أنه من السكوت الذي لا يخل بالاتصال الحكمي، كما أسلفناه، ويجب الحمل عليه موافقة لما ذكرناه من الأدلة.
وعن الخبر الثاني أن قوله صلى الله عليه وسلم: إن شاء الله، ليس عائدا إلى خبر الأول، بل إلى ذكر ربه، إذا نسي، تقديره أذكر ربي إذا نسيت إن شاء الله. وذلك كما إذا قال القائل لغيره افعل كذا فقال: إن شاء الله، أي أفعل إن شاء الله.
وعن المنقول عن ابن عباس، إن صح ذلك. فلعله كان يعتقد صحة إضمار الاستثناء، ويدين المكلف بذلك فيما بينه وبين الله تعالى، وإن تأخر الاستثناء لفظا، وهو غير ما نحن فيه، وإن لم يكن كذلك فهو أيضا مخصوم بما ذكرناه من الأدلة واتفاق أهل اللغة على إبطاله ممن سواه.
وعن الوجه الثالث: أنه قياس في اللغة، فلا يصح لما سبق. ثم هو منقوض بالخبر والشرط، كما سبق. كيف والفرق بين التخصيص والاستثناء واقع من جهة الجملة من حيث إن التخصيص قد يكون بدليل العقل والحس، ولا كذلك الاستثناء وبينه وبين النسخ، أن النسخ مما يمتنع اتصاله بالمنسوخ، بخلاف الاستثناء.
وعن الوجه الرابع بالفرق، وهو أن الكفارة رافعة لاثم الحنث، لا لنفس الحنث، والاستثناء مانع من الحنث، فما التقيا في الحكم حتى يصح قياس أحدهما على الآخر. كيف وإن الخلاف إنما وقع في صحة الاستثناء المنفصل من جهة اللغة، لا من جهة الشرع، ولا قياس في اللغة على ما سبق.
المسألة الثانية اختلف العلماء في صحة الاستثناء من غير الجنس: فجوزه أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والقاضي أبو بكر وجماعة من المتكلمين والنحاة، ومنع منه الأكثرون.
وأما أصحابنا، فمنهم من قال بالنفي، ومنهم من قال بالاثبات.