وعن الاجماع لا نسلم صحة احتجاجهم بدلالة النهي لغة على الفساد، بل إن صح ذلك فإنما يصح بالنظر إلى دلالة الالتزام على ما قررنا، ويجب الحمل عليه جمعا بينه وبين ما ذكرناه من الدليل، وبه يخرج الجواب عن الوجه الأول من المعنى.
وعن الثاني من المعنى أن النهي وإن كان مقابلا للامر، فلا نسلم أن الامر مقتض للصحة، حتى يكون النهي مقتضيا للفساد. وإن سلمنا اقتضاء الامر للصحة، وأن النهي مقابل له، فلا نسلم لزوم اختلاف حكميهما لجواز اشتراك المتقابلات في لازم واحد.
وإن سلم أنه يلزم من ذلك تقابل حكميهما، فيلزم أن لا يكون النهي مقتضيا للصحة.
أما أن يكون مقتضيا للفساد، فلا، وأما النقض بالنهي عن العبادة فمندفع، لأنه مهما كان النهي عن الفعل لعينه، فلا يتصور أن يكون عبادة مأمورا بها، وما لم يكن عبادة فلا يتصور صحته عبادة، وإن قيل بفساده من جهة خروجه عن كونه سببا لترتيب الاحكام الخاصة به عليه، فهو محل النزاع.
وعن الاعتراض الأخير أنا لا نقضي بالفساد لوجود مناسب الفساد ليفتقر إلى شاهد بالاعتبار، وإنما قضينا بالفساد لعدم المناسب المعتبر بما بيناه من استلزام النهي لذلك.
المسألة الثانية اتفق أصحابنا على أن النهي عن الفعل لا يدل على صحته ونقل أبو زيد عن محمد بن الحسن وأبي حنيفة أنهما قالا: يدل على صحته.
والمختار مذهب أصحابنا لوجهين:
الأول: أن النهي لو دل على الصحة، فإما أن يدل عليها بلفظه أو بمعناه، إذ الأصل عدم ما سوى ذلك، واللازم ممتنع، وبيان امتناع دلالته على الصحة بلفظه أن صحة الفعل لا معنى لها سوى ترتب أحكامه الخاصة به عليه، والنهي لغة لا يزيد على طلب ترك الفعل، ولا إشعار له بغير ذلك نفيا ولا إثباتا.