النبي، صلى الله عليه وسلم، أن الذين بعثه إليهم قد ارتدوا، وأرادوا قتله، فأجمع النبي، صلى الله عليه وسلم، على غزوهم وقتلهم. وذلك حكم شرعي. وكان النبي قد أراد العمل فيه بخبر الواحد، ولو لم يكن جائزا لما أراده، ولا نكره الله تعالى عليه.
وهذه الحجة أيضا ضعيفة: أما الوجه الأول: فلان الاستدلال بهذه الآية غير خارج عن مفهوم المخالفة، وسنبين أنه ليس بحجة، وإن كان حجة، لكنه حجة ظنية، فلا يصح الاستدلال به في باب الأصول.
وأما الوجه الثاني: فمن وجهين: الأول لا نسلم أن النبي أجمع على قتلهم وقتالهم بخبر الوليد بن عقبة، فإنه قد روي أنه بعث خالد بن الوليد وأمره بالتثبت في أمرهم، فانطلق حتى أتاهم ليلا، فبعث عيونه، فعادوا إليه، وأخبروه بأنهم على الاسلام، وأنهم سمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا، أتاهم خالد بن الوليد، ورأى ما يعجبه منهم، فرجع إلى النبي، وأخبره بذلك.
الثاني: أن ما ذكروه من سبب النزول من أخبار الآحاد، فلا يكون حجة في الأصول.
ومنها قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس) * (2) البقرة: 143) ووجه الحجة من ذلك أن المخبر بخبر لنا عن الرسول شاهد على الناس، ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس، وهو غير مقبول القول.
ولقائل أن يقول: الآية خطاب مع الأمة لا مع الآحاد، فلا تكون حجة في محل النزاع. ومنها قوله تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) * (2) البقرة: 159) الآية.
ووجه الحجة بها أن الله تعالى توعد على كتمان الهدى، وذلك يدل على إيجاب إظهار الهدى، وما يسمعه الواحد من النبي، صلى الله عليه وسلم، فهو من الهدى.
فيجب عليه إظهاره. فلو لم يجب علينا قبوله، لكان الاظهار كعدمه، فلا يجب.