المسألة الخامسة اختلفوا في الامر المطلق: هل يقتضي تعجيل فعل المأمور به؟
فذهبت الحنفية والحنابلة وكل من قال بحمل الامر على التكرار، إلى وجوب التعجيل. وذهبت الشافعية والقاضي أبو بكر وجماعة من الأشاعرة والجبائي وابنه وأبو الحسين البصري إلى التراخي، وجواز التأخير عن أول وقت الامكان.
وأما الواقفية فقد توقفوا، لكن منهم من قال: التوقف إنما هو في المؤخر هل هو ممتثل أو لا؟ وأما المبادر فإنه ممتثل قطعا، لكن هل يأثم بالتأخير؟ اختلفوا فيه:
فمنهم من قال بالتأثيم، وهو اختيار إمام الحرمين، ومنهم من لم يؤثمه، ومنهم من توقف في المبادر أيضا، وخالف في ذلك إجماع السلف.
والمختار أنه مهما فعل، كان مقدما أو مؤخرا، كان ممتثلا للامر، ولا إثم عليه بالتأخير.
والدليل على ذلك أن الامر حقيقة في طلب الفعل لا غير، فمهما أتى بالفعل في أي زمان كان، مقدما أو مؤخرا كان آتيا بمدلول الامر، فيكون ممتثلا للامر، ولا إثم عليه بالتأخير، لكونه آتيا بما أمر به على الوجه الذي أمر به، وبيان أن مدلول الامر طلب الفعل لا غير، وجهان.
الأول: أنه دليل على طلب الفعل بالاجماع، والأصل عدم دلالته على أمر خارج، والزمان وإن كان لا بد منه من ضرورة وقوع الفعل المأمور به، ولا يلزم أن يكون داخلا في مدلول الامر، فإن اللازم من الشئ أعم من الداخل في معناه، ولا أن يكون متعينا، كما لا تتعين الآلة في الضرب، ولا الشخص المضروب، وإن كان ذلك من ضرورات امتثال الامر بالضرب.
الوجه الثاني: أنه يجوز ورود الامر بالفعل على الفور وعلى التراخي، ويصح مع ذلك أن يقال بوجود الامر في الصورتين. والأصل في الاطلاق الحقيقة، ولا مشترك بين الصورتين سوى طلب الفعل، لان الأصل عدم ما سواه، فيجب أن يكون هو مدلول الامر في الصورتين، دون ما به الاقتران من الزمان وغيره، نفيا للتجوز والاشتراك عن اللفظ.