المسألة الرابعة عشرة القائلون بكون العموم والقياس حجة، اختلفوا في جواز تخصيص العموم بالقياس:
فذهب الأئمة الأربعة والأشعري وجماعة من المعتزلة، كأبي هاشم وأبي الحسين البصري إلى جوازه مطلقا، وذهب الجبائي وجماعة من المعتزلة إلى تقديم العام على القياس، وذهب ابن سريج وغيره من أصحاب الشافعي إلى جواز التخصيص بجلي القياس دون خفيه، وذهب عيسى بن أبان والكرخي إلى جواز التخصيص بالقياس للعام المخصص دون غيره، غير أن الكرخي اشترط أن يكون العام مخصصا بدليل منفصل، وأطلق عيسى بن أبان، ومنهم من جوز التخصيص بالقياس، إذا كان أصل القياس من الصور التي خصت عن العموم دون غيره، وذهب القاضي أبو بكر وإمام الحرمين إلى الوقف.
والمختار أنه إذا كانت العلة الجامعة في القياس ثابتة بالتأثير، أي بنص أو إجماع، جاز تخصيص العموم به، وإلا فلا.
أما إذا كانت العلة مؤثرة، فلأنها نازلة منزلة النص الخاص، فكانت مخصصة للعموم، كتخصيصه بالنص، كما سبق تعريفه وأما إذا كانت العلة مستنبطة غير مؤثرة، فإنما قلنا بامتناع التخصيص بها للاجمال والتفصيل:
أما الاجمال: فهو أن العام في محل التخصيص: إما أن يكون راجحا على القياس المخالف له، أو مرجوحا أو مساويا:
فإن كان راجحا، امتنع تخصيصه بالمرجوح وإن كان مساويا، فليس العمل بأحدهما أولى من الآخر. وإنما يمكن التخصيص بتقدير أن يكون القياس في محل المعارضة راجحا. ولا يخفى أن وقوع احتمال من احتمالين أغلب من وقوع احتمال واحد بعينه.