والجواب: عن الأول أن إنفاذ الآحاد لتعريف التوحيد والرسالة لم يكن واجب القبول، لكونه خبر واحد، بل إنما كان واجب القبول من جهة ما يخبرهم به من الأدلة العقلية، ويعرفهم من الدلائل اليقينية التي تشهد بصحتها عقولهم، ولا كذلك فيما يخبر به من الأخبار الدالة على الأحكام الشرعية.
وعن الثاني أنهم لو كانوا عالمين بالأحكام الشرعية التي دل عليها خبر الواحد، لما احتيج إلى إرساله لتعريفهم لما قد عرفوه، لما فيه من تحصيل الحاصل. كيف وإن تعريف المعلوم بالخبر المظنون محال، وهذا بخلاف ما إذا علم كون خبر الواحد مما يجب العمل به في الجملة، فإن تنفيذ الواحد لا يعرف وجوب العمل بقوله بل إنما يعرف المخبر به على ما هو عليه، وذلك لم يكن معروفا قبل خبره، فكان تنفيذه لتعريف ذلك مفيدا.
والأقرب في هذه المسألة إنما هو التمسك بإجماع الصحابة. ويدل على ذلك ما نقل عن الصحابة من الوقائع المختلفة الخارجة عن العد والحصر، المتفقة على العمل بخبر الواحد، ووجوب العمل به.
فمن ذلك ما روي عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أنه عمل بخبر المغيرة ومحمد بن مسلمة في ميراث الجدة، أن النبي أطعمها السدس، فجعل لها السدس ومن ذلك عمل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس، وهو قوله، صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب وعمل أيضا بخبر حمل ابن مالك في الجنين، وهو قوله: كنت بين جاريتين لي (يعني ضرتين) فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنينا ميتا، فقضى فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم بغرة، فقال عمر: لو لم نسمع بهذا، لقضينا فيه بغير هذا.
وروي عنه أنه قال: كدنا نقضي فيه برأينا. وأيضا فإنه كان لا يرى توريث المرأة من دية زوجها، فأخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه.