وأما المعقول فهو أنه لا معنى لتخصص العموم سوى صرف اللفظ عن جهة العموم الذي هو حقيقة فيه، إلى جهة الخصوص بطريق المجاز، كما سبق تقريره، والتجوز غير ممتنع في ذاته. ولهذا. لو قدرنا وقوعه، لم يلزم المحال عنه لذاته، ولا بالنظر إلى وضع اللغة. ولهذا يصح من اللغوي أن يقول جاءني كل أهل البلد وإن تخلف عنه بعضهم، ولا بالنظر إلى الداعي إلى ذلك والأصل عدم كل مانع سوى ذلك، ويدل على جواز تخصيص الأوامر العامة، وإن لم نعرف فيها خلافا، قوله تعالى: * (اقتلوا المشركين) * (9) التوبة: 5) مع خروج أهل الذمة عنه، وقوله تعالى: * (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * (5) المائدة: 38 * (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * (24) النور: 2) مع أنه ليس كل سارق يقطع، ولا كل زان يجلد، وقوله تعالى * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (4) النساء: 11) مع خروج الكافر والرقيق والقاتل عنه.
فإن قيل: القول بجواز تخصيص الخبر مما يوجب الكذب في الخبر، لما فيه من مخالفة المخبر للخبر، وهو غير جائز على الشارع، كما في نسخ الخبر.
قلنا: لا نسلم لزوم الكذب، ولا وهم الكذب، بتقدير إرادة جهة المجاز، وقيام الدليل على ذلك. وإلا كان القائل إذا قال: رأيت أسدا وأراد به الانسان، أن يكون كاذبا، إذا تبينا أنه لم يرد الأسد الحقيقي، وليس كذلك بالاجماع.
وعلى هذا، فلا نسلم امتناع نسخ الخبر، كما سيأتي تقريره.
المسألة الثانية اختلف القائلون بالعموم وتخصيصه، في الغاية التي يقع انتهاء التخصيص إليها:
فمنهم من قال بجواز انتهاء التخصيص في جميع ألفاظ العموم إلى الواحد.
ومنهم من أجاز ذلك في (من) خاصة دون ما عداها من أسماء الجموع، كالرجال والمسلمين، وجعل نهاية التخصيص فيها أن يبقى تحتها ثلاثة. وهذا هو مذهب القفال من أصحاب الشافعي، ومنهم من جعل نهاية التخصيص في جميع الألفاظ العامة، جمعا كثيرا يعرف