وأما النسخ، فلا نسلم امتناعه بخبر الواحد، وبتقدير التسليم فلان النسخ رفع الحكم بعد إثباته، بخلاف التخصيص، لأنه بيان لا رفع، فلا يلزم مع ذلك من امتناع النسخ به، امتناع التخصيص.
وما ذكروه من السؤال الأخير في جهة التعارض، فجوابه أن احتمال الضعف في خبر الواحد من جهة كذبه، وفي العام من جهة جواز تخصيصه، ولا يخفى أن احتمال الكذب في حق من ظهرت عدالته أبعد من احتمال التخصيص العام.
ولهذا، كانت أكثر العمومات مخصصة، وليس أكثر أخبار العدول كاذبة، فكان العمل بالخبر أولى، ولأنه لو عمل بعموم العام، لزم إبطال العمل بالخبر مطلقا، ولو عمل بالخبر لم يلزم منه إبطال العمل بالعام مطلقا، لامكان العمل به فيما سوى صورة التخصيص، والجمع بين الدليلين، ولو من وجه، أولى من تعطيل أحدهما، ولأن العمل بالعام إبطال للخاص، والعمل بالخاص بيان للعام، لا إبطال له.
ولا يخفى أن البيان أولى من الابطال.
المسألة السادسة لا أعرف خلافا في تخصيص القرآن والسنة بالاجماع. ودليله المنقول، والمعقول:
أما المنقول: فهو أن إجماع الأمة خصص آية القذف بتنصيف الجلد في حق العبد، كالأمة.
وأما المعقول: فهو أن الاجماع دليل قاطع، والعام غير قاطع في آحاد مسمياته، كما سبق تعريفه. فإذا رأينا أهل الاجماع قاضين بما يخالف العموم في بعض الصور، علمنا أنهم ما قضوا به إلا وقد اطلعوا على دليل مخصص له، نفيا للخطأ عنهم. وعلى هذا، فمعنى إطلاقنا أن الاجماع مخصص للنص أنه معرف للدليل المخصص، لا أنه في نفسه هو المخصص.
وبالنظر إلى هذا المعنى أيضا، نقول: إنا إذا رأينا عمل الصحابة وأهل الاجماع بما يخالف النص الخاص، لا يكون ذلك إلا لاطلاعهم على ناسخ للنص، فيكون الاجماع معرفا للناسخ، لا أنه ناسخ.
وإنما قلنا إن الاجماع نفسه لا يكون ناسخا لان النسخ لا يكون بغير خطاب الشارع، والاجماع ليس خطابا للشرع، وإن كان دليلا على الخطاب الناسخ.