قلنا: جواب الأول أن ما ذكروه مبني على كون الرسول آمرا، وليس كذلك، بل هو مبلغ لأمر الله وفرق بين الآمر والمبلغ للامر. ولهذا، أعاد صيغ الأوامر له بالتبليغ، كقوله: * (قل أوحي إلي) * (72) الجن: 1) * (واتل ما أوحي إليك) * (18) الكهف: 27) ونحوه.
وجواب الثاني أنه مبلغ للأمة بما ورد على لسانه، وليس مبلغا لنفسه بذلك الخطاب، بل بما سمعه من جبريل، عليه السلام.
وجواب الثالث أن اختصاصه ببعض الاحكام غير موجب لخروجه عن عمومات الخطاب. ولهذا، فإن الحائض والمريض والمسافر والمرأة، كل واحد قد اختص بأحكام لا يشاركه غيره فيها، ولم يخرج بذلك عن الدخول في عمومات الخطاب، والله أعلم بالصواب.
المسألة الثانية والعشرون الخطاب الوارد شفاها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والأوامر العامة، كقوله تعالى: * (يا أيها الناس) * (2) البقرة: 21) * (ويا أيها الذين آمنوا) * (2) البقرة: 104) ونحوه، هل يخص الموجود ين في زمنه، أو هو عام لهم، ولمن بعدهم؟
اختلفوا فيه: فذهب أكثر أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والمعتزلة إلى اختصاصه بالموجودين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت حكمه في حق من بعدهم إلا بدليل آخر.
وذهبت الحنابلة وطائفة من السالفين والفقهاء إلى تناول ذلك لمن وجد بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم. حجة النافين من وجهين:
الأول: أن المخاطبة شفاها بقوله تعالى: * (يا أيها الناس) * (2) البقرة: 21) * (ويا أيها الذين آمنوا) * (2) البقرة: 104) تستدعي كون المخاطب موجودا أهلا للخطاب إنسانا مؤمنا، ومن لم يكن موجودا في وقت الخطاب لم يكن متصفا بشئ من هذه الصفات، فلا يكون الخطاب متناولا له.