وإذا عرف ذلك، فالتخصيص على ما يناسب مذهب أرباب العموم، هو تعريف أن المراد باللفظ الموضوع للعموم حقيقة، إنما هو الخصوص، وعلى ما يناسب مذهب أرباب الاشتراك، تعريف أن المراد باللفظ الصالح للعموم والخصوص، إنما هو الخصوص. والمعرف لذلك، بأي طريق كان، يسمى مخصصا، واللفظ المصروف عن جهة العموم إلى الخصوص، مخصصا.
وإذا عرف معنى تخصيص العموم، فاعلم أن كل خطاب لا يتصور فيه معنى الشمول، كقوله صلى الله عليه وسلم، لأبي بردة: تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك فلا يتصور تخصيصه لان التخصيص على ما عرف، صرف اللفظ عن جهة العموم إلى جهة الخصوص، وما لا عموم له، لا يتصور فيه هذا الصرف. وأما ما يتصور فيه الشمول والعموم، فتصور فيه التخصيص، وسواء كان خطابا أو لم يكن خطابا، كالعلة الشاملة، لامكان صرفه عن جهة عمومه إلى جهة خصوصه. هذا إتمام المقدمة.
وأما المسائل، فمسألتان المسألة الأولى اتفق القائلون بالعموم على جواز تخصيصه على أي حال كان، من الاخبار، والامر وغيره، خلافا لشذوذ لا يؤبه لهم في تخصيص الخبر.
ويدل على جواز ذلك، الشرع والمعقول:
أما الشرع، فوقوع ذلك في كتاب الله تعالى، كقوله تعالى: * (الله خالق كل شئ) * (13) الرعد: 16) * (وهو على كل شئ قدير) * (5) المائدة: 120) وليس خالقا لذاته، ولا قادرا عليها، وهي شئ.
وقوله تعالى: * (ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم) * (51) الذاريات: 42) وقد أتت على الأرض والجبال، ولم تجعلها رميما. وقوله تعالى: * (تدمر كل شئ) * (الأحقاف: 25) * (وأوتيت من كل شئ) * (27) النمل: 23) إلى غير ذلك من الآيات الخبرية المخصصة، حتى إنه قد قيل لم يرد عام إلا وهو مخصص، إلا في قوله تعالى: * (وهو بكل شئ عليم) * (57) الحديد: 3) ولو لم يكن ذلك جائزا، لما وقع في الكتاب.