بين العلوم الضرورية المتفق على ضروريتها، كالعلم بأن لا واسطة بين النفي والاثبات، والعلم بأن الواحد أقل من الاثنين ونحوه وبين العلم الحاصل بخبر الله وخبر رسوله من حيث إن كل واحد منهما علم. ومع ذلك، ما لزم من كون العلوم الضرورية ضرورية أن يكون العلم الحاصل من خبر الله وخبر رسوله ضروريا، ولا من كون خبر الله ورسوله غير ضروري، أن تكون العلوم الضرورية غير ضرورية.
وإذا عرف ضعف المأخذ من الجانبين وتفاوت الكلام بين الطرفين، فقد ظهر أن الواجب إنما هو الوقف عن الجزم بأحد الامرين.
المسألة الثالثة اتفقت الأشاعرة والمعتزلة وجميع الفقهاء على أن خبر التواتر لا يولد العلم، خلافا لبعض الناس. وقد اعتمد القائلون بامتناع ذلك على مسلكين ضعيفين:
الأول: أنهم قالوا: لو كان خبر التواتر مولدا للعلم، فالعلم إما أن يكون متولدا من الخبر الأخير، أو منه ومن جملة الاخبار المتقضية: فإن كان الأول، فهو محال، وإلا لتولد منه بتقدير انفراده. وإن كان الثاني، فهو ممتنع لان الاخبار متعددة، والمسبب الواحد لا يصدر عن سببين، كما لا يكون مخلوق بين خالقين.
ولقائل أن يقول: ما المانع أن يكون متولدا عن الخبر الأخير مشروطا بتقدم ما وجد من الاخبار قبله وعدمت، وإن كان متولدا عن الجميع، فما المانع أن يكون متولدا عن الهيئة الاجتماعية، وهي شئ واحد، لا أنه متولد عن كل واحد واحد من تلك الأخبار. وهذا مما لا مدفع له.
نعم لو قيل إن تولده من جميع الاخبار ممتنع ضرورة أن ما تقضى من الاخبار معدوم، ولا تولد عن المعدوم، كان متجها.
المسلك الثاني: أنهم قالوا. قد استقر من مذهب القائلين بالتولد أن كل ما هو طالب لجهة من الجهات فإنه يجوز أن يتولد عنه شئ في غير محله، كالاعتمادات والحركات، وما ليس كذلك لا يتولد عنه شئ في غير محله. والقول والخبر ليس