الحجة الرابعة: أنه لو لم يكن خبر الواحد واجب القبول، لتعذر تحقيق بعثة الرسول إلى كل أهل عصره، وذلك ممتنع. وبيان ذلك أنه لا طريق إلى تعريف أهل عصره إلا بالمشافهة أو الرسل، ولا سبيل له إلى المشافهة للكل لتعذره. والرسالة منحصرة في عدد التواتر والآحاد. والتواتر إلى كل أحد متعذر. فلو لم يكن خبر الواحد مقبولا، لما تحقق معنى التبليغ والرسالة إلى جميع الخلق فيما أرسل به، وهو محال مخالف لقوله تعالى:
* (لتبين للناس ما نزل إليهم) * (16) النحل: 44).
ولقائل أن يقول: إنما يمتنع ذلك، أن لو كان التبليغ إلى كل من في عصره واجبا، وأن كل من في عصره مكلف بما بعث به، وليس كذلك، بل إنما هو مكلف بالتبليغ إلى من يقدر على إبلاغه إما بالمشافهة أو بخبر التواتر. وكذلك كل واحد من الأمة إنما كلف بما أرسل به الرسول إذا علمه. وإما مع عدم علمه به، فلا. ولهذا، فإن من كان في زمن الرسول في البلاد النائية والجزائر المنقطعة، ولا سبيل إلى إعلامه، فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يكن مكلفا بتبليغه، ولا ذلك الشخص كان مكلفا بما أرسل به.
الحجة الخامسة: قالوا: قد ثبت أن مخالفة أمر الرسول سبب لاستحقاق العقاب، فإذا أخبر الواحد بذلك عن الرسول وغلب على الظن صدقه، فإما أن يجب العمل بالاحتمال الراجح والمرجوح معا، أو تركهما معا، أو العمل بالمرجوح دون الراجح، أو بالعكس:
بالاحتمال لا سبيل إلى الأول والثاني والثالث، لأنه محال فلم يبق سوى الرابع وهو المطلوب.
ولقائل أن يقول: ما المانع من القول بأنه لا يجب العمل بقوله، ولا يجب تركه، بل هو جائز الترك؟ والقول بأن مخالفة أمر الرسول موجبة لاستحقاق العقاب مسلم فيما علم فيه