أما الوجه الأول فلا مقتضي فيه للكشف عن الحجية الشرعية في مورده، إذ لا وجه لحمل الشارع على الجهة الخارجية المذكورة، كما لا وجه لحمل غيره من الموالي على ذلك بنحو يستكشف حكمهم.
بل لا بد معه من إحراز الامضاء من المولى، ويكون الامضاء تمام المقتضي للحجية من قبله، لا أن السيرة تكون تامة الاقتضاء بحيث تحتاج إلى الردع الذي هو من سنخ المانع والرافع، فلا يكفي في البناء عليها عدم الردع فضلا عن عدم ثبوته.
نعم، لو فرض استحكام السيرة بنحو يغفل عن إرادة خلافها والتفات المولى إلى ذلك، وتيسر الردع عليه كان عدم صدور الردع منه ظاهرا في إمضائه لها، الذي عرفت أنه تمام المقتضي لمتابعتها.
وأما الوجه الثاني فالظاهر أنه هو المراد بسيرة العقلاء في كلامهم، إذ الظاهر من نسبتها لهم جريهم عليها بما هم عقلاء لا بجهة أخرى.
والظاهر أن السيرة بالوجه المذكور بنفسها مقتضية للعمل على طبقها، بنحو يكون الأصل بنظر العقل متابعة الشارع وسائر الموالي لها وجريهم عليها ما لم يثبت ردعهم عنها، لان الارتكازيات التابعة للادراك والفطرة مما يحسن الاحتجاج به عقلا ما لم يثبت الردع عنه من المولى، فمورد السيرة يشترك مع العلم في ثبوت مقتضي الحجية فيه بذاته وإن فارقه بأنه صالح للردع عنه، بخلاف العلم فإنه علة تامة للحجية لا تقبل الردع.
وعلى هذا لا يحتاج العمل بذلك إلى إثبات الامضاء، كما تجشمه غير واحد، بل ولا إلى عدم الردع واقعا، بل يكفي عدم ثبوت الردع، لحكم العقل بلزوم متابعة المقتضي في مثل ذلك ما لم يثبت الردع عنه حتى لو احتمل كون عدم الردع لعدم تيسره للمولى، كما يشهد به التأمل في المرتكزات العقلائية القطعية.