وخبر المفضل بن عمر، قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (اكتب وبث علمك في إخوانك، فإن مت فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم) (1)، فإنهما كالصريحين في النظر إلى زمان الغيبة ونحوه مما تنقطع فيه طرق العلم وينحصر الامر في الكتب.
وحملها على إرادة الرجوع إليها في خصوص ما يورث العلم بعيد جدا عن الواقع الخارجي، ضرورة قلة المتواترات في الكتب، وانقطاع القرائن القطعية المحتفة بأخبار الآحاد بتقادم الزمان. بل في غالب موارد تواتر الروايات أو احتفافها بالقرائن القطعية لها يحتاج إلى الكتب للاتفاق على الحكم. فهما ظاهران في المفروغية عن قبول خبر الواحد المودع في الكتب.
ومثلهما في ذلك رواية محمد بن الحسن بن أبي خالد أو حسنته، قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت تلك الكتب إلينا، فقال: (حدثوا بها، فإنها حق) (2) فإنه لولا المفروغية عن حجية ما يرويه المشايخ في مقام العمل لم يحتج إلى الاستئذان من الإمام عليه السلام في رواية الكتب المذكورة، إذ روايتها لمجرد إثبات الرواية وحفظها، لتكون بعض السبب الموجب للعلم لا يحتاج إلى الاستئذان المذكور، كما لا يخفى.
بل لا يبعد أن يكون قوله عليه السلام: (فإنها حق) أنها كتبهم فلا تحتاج رواية ما عنهم إلى حديثهم بها، لا إن ما تضمنته حق واقعا، ليكون شهادة الامام بحقيقة الكتب المذكورة قرينة قطعية على صحتها، فتخرج عن محل الكلام.
ومثلها في ذلك ما عن الحسين بن روح (رضوان الله عليه)، حيث سأله أصحابه عن كتب الشلمغاني فقال: (أقول فيها ما قاله العسكري عليه السلام في كتب بني